الروحانيات فى الإسلام: الجزء التاسع - هل زكريا دعا ربه أم ناداه ؟ - وما الفرق بين (نادى ربه) ومرة أخرى (فدعا ربه) ؟ - لماذاعند مريم (قالت الملائكة) وعند زكريا (فنادته الملائكة) ؟ - هل شك زكريا في بشارة الله حتى يطلب آية ؟ - لماذا قال زكريا "رب" ولم يقل "يارب" ؟ - من الذي بشر زكريا (الملائكة أم الله) ؟

بحث في المدونة من خلال جوجل

الثلاثاء، 16 مايو 2017

Textual description of firstImageUrl

الجزء التاسع - هل زكريا دعا ربه أم ناداه ؟ - وما الفرق بين (نادى ربه) ومرة أخرى (فدعا ربه) ؟ - لماذاعند مريم (قالت الملائكة) وعند زكريا (فنادته الملائكة) ؟ - هل شك زكريا في بشارة الله حتى يطلب آية ؟ - لماذا قال زكريا "رب" ولم يقل "يارب" ؟ - من الذي بشر زكريا (الملائكة أم الله) ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

:: الجزء التاسع ::
( المرأة الإنسان الكامل الصِّدِّيق )
:: المرأة والطريق إلى الله ::
:: لماذا قال الله عن مريم (قالت الملائكة) وعن زكريا (فنادته الملائكة) ؟ ::
:: هل شك زكريا في بشارة الله حتى يطلب آية ؟!! ::
:: لماذا قال زكريا "رب" ولم يقل "يارب" ::
:: من الذي بشر زكريا (الملائكة أم الله) ؟  !! ::
:: لماذا قال الله عن زكريا (نادى ربه) ومرة أخرى (فدعا ربه) ؟ ::

:: هل زكريا دعا ربه أم ناداه ؟ ::



* فهرس الموضوع :
1- ما هو معنى (النداء) ؟
2- كيف نادى زكريا ربه نداء خفيا .. والنداء لا يكون خفيا بل مسموعا ؟
3- لماذا كان النداء خفيا ؟
4- هل النداء وسيلة الأنبياء لإجابة السماء ؟
5- هل زكريا دعا ربه أم ناداه ؟
6- ما الفرق بين (نادى ربه) ، (دعا ربه) ؟
7- لماذا لم يقل زكريا (يا رب) وقال (رب) ؟
8- هل تكرر دعاء زكريا عليه السلام ؟
9- من الذي بشر زكريا (الملائكة أم الله) ؟
10- مَن هم الملائكة التي قامت بمناداة سيدنا زكريا في المحراب ؟
11- لماذا قالت الملائكة (إن الله يبشرك) ولم تقل (إن ربك يبشرك) ؟
12- لماذا سأل سيدنا زكريا عن كيفية حدوث البشارة .. فهل شك ؟
13- لماذا طلب زكريا آية من الله بعد كلام الملائكة يقينا أن الله أجاب دعاؤه ؟
14- لماذا نادت الملائكة زكريا (فنادته الملائكة) وهي تستطيع حضوره ؟
15- لماذا القرآن قال في زكريا (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ) ، وفي مريم (قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ) ؟
16- هل انشغل زكريا بالحديث مع الملائكة ؟
17- لماذا توجه إلى الله بالرغم من أن النداء من الملائكة ؟

*******************************
:: مقدمة ::

* السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. السادة الكرام مرحبا بكم في جزء جديد .. هو استكمالا للجزء السابق .. حيث يدور عن اسئلة حول بعض الآيات التي تم شرحها سابقا ..

* وفي هذا الجزء نتكلم عن أسئلة تتعلق بنداء سيدنا زكريا وإجابة دعاؤه ..
وفيه أسئلة عجيبة وإجابات لطيفة .. ونرجو من الله القبول  .. آمين .

* ملحوظة : يسأل البعض لماذا لا أذكر إجابات العلماء على بعض الأسئلة التي أذكرها .. فأذكر مباشرة (قلت صاحب الموضوع) ؟
فأقول لهم : لأن العلماء لم يخطر ببالهم هذه الأسئلة وبالتالي لن نجد عندهم إجابة (بحثت كثيرا عن الاجابات فلم اجد السؤال ولا ما يشير الى الاجابة فلذلك اجتهد قدر استطاعتي بما لا يخالف الأصول ) ..
أو لعل البعض لم يكن لديه إجابة فلم يسجلها في مؤلفاته ..
أو لعل الله أراد أن يكرمني باجتهاد لم يسبقني إليه أحد .. كرامة منه وفضلا .. عسى أن تكون وسيلة نجاة لي يوم العرض عليه .. والله أعلم ..!!
والله وحده يعلم كم من المراجع التفسيرية واللغوية والبلاغية والصوفية .. يتم مراجعتها .. ولو ذكرتها فقد لا يصدقني أحد .. والحمد لله على عظيم مدده .. وكفى بالله شهيدا بين وبينكم ..
 فإن أصبت فمن الله .. وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .. واستغفر الله وأسأله الرضوان .. آمين ..

* أما ما اختلف فيه مع بعض آراء العلماء .. فأذكر آرائهم أولا .. ثم أبين سبب اعتراضي إن كان لي اعتراض .. وهذا نادرا .. ( أي أذكر رأيي متأخرا بعد كلام السادة العلماء ) ..
نبدأ بسم الله ..
توكلت على الله ..

*********************************
:: ثالثا : أسئلة عن المرحلة الحياتية الأولى ::
( أسئلة عن حقيقة دعاء سيدنا زكريا )
( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً ) مريم3

( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) الأنبياء 89
( فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى .. ) آل عمران39
************************************
 (17)
..:: ما هو معنى (النداء) ؟ ::..

* يقول الشيخ حسن عز الدين الجمل :
( ناداه مناداة ونداء : يأتي للمعاني الآتية:
أ- فيقال: نادي الحيوان: صاح به وزجره. والحيوان حين يزجر إنما يسمع الصوت ولا يفهم معاني مفرداته.
ب- ويقال:
* نادي من هو من ذوي العلم: وجه إليه الخطاب ودعاه وأغلب ما يكون ذلك علانية مع رفع الصوت ..
* وقد يكون النداء خفيا وينادي العبد ربه سبحانه فيدعوه بأنواع الدعاء ..
* وينادي الله سبحانه من شاء من عباده ... فيلقي إليه بعض الكلام.
* ومن النداء الأذان فإنه دعاء إلي الصلاة.
ج- ويقال: نديت فلانا من مكان بعيد، أي أنه لا يفهم ما أقول.
مخطوطة الجمل - معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن ج5 ص37 .. باختصار .

* يقول الشيخ أبو هلال العسكري رحمه الله :
( الفرق بين الدعاء والنداء :
الأول قد يكون بعلامة من غير صوت ولا كلام ، ولكن بإشارة تنبئ عن معنى : تعال ..
ولا يكون النداء إلا برفع الصوت ، وامتداده . قاله الطبرسي  .
معجم الفروق اللغوية ص535 ..

* يقول الشيخ أبو حفص النعماني رحمه الله :
(والنداء: رفع الصوت ، يقال: نادَى ندَاء - بضم النون وكسرها - والأكثر في الأصوات مجيئها على الضم، نحو البُكَاء، والصُّراخ، والدُّعاء، والرُّغاء.
وأصل المادة يدل على الرفع ، ومنه المنْتَدَى والنادي؛ لاجتماع القوم فيهما وارتفاع أصواتهم .
وقالت قريش: دار الندوة ، لارتفاع أصواتهم عند المشاورة والمحاورة فيها ..
وفلان أنْدَى صَوْتاً من فلان – أي : أرفع - هذا أصله في اللغة ..، وفي العرف : صار ذلك لأحسنها نَغَماً وصوتاً ..
والنَّدَى : المَطَر ، ومنه : نَدِيَ ، يَنْدَى ، ويُعَبَّر به عن الجود ، كما يُعَبَّر بالمطر والغيث عنه استعارةً . )
اللباب في علوم الكتاب ج5 ص192 .. باختصار ..

* يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :
( والنداء : لَوْن من ألوان الأساليب الكلامية، والبلاغيون يقسمون الكلام إلى خبر، وهو أن تخبر عن شيء بكلام يحتمل الصدق أو الكذب. وإنشاء، وهو أنْ تطلب بكلامك شيئاً، والإنشاء قَوْلٌ لا يحتمل الصدق أو الكذب.
والنداء من الإنشاء ؛ لأنك تريد أن تنشىء شيئاً من عندك ..
فلو قُلْت: يا محمد فأنت تريد أن تنشئ إقبالاً عليك ..
فالنداء إذن : طلبُ الإقبال عليك ..
لكن هل يصح أن يكون النداء من الله تعالى بهذا المعنى ؟
إنك لا تنادى إلا البعيد عنك الذي تريد أن تستدنية منك.
فكيف تنادى ربك تبارك وتعالى وهو أقرب إليك من حبل الوريد ؟ وكيف تناديه سبحانه وهو يسمعك حتى قبل أن تتكلم ؟ فإذا كان إقباله عليك موجوداً في كل وقت، فما الغرض من النداء هنا ؟ نقول: الغرض من النداء : الدعاء .)
تفسير الشعراوي ج15ص 9024

* يقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :
عند قوله تعالى : ( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً ) مريم3
(وَالنِّدَاءُ: أَصْلُهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِطَلَبِ الْإِقْبَالِ.
وَيُطْلَقُ النِّدَاءُ كَثِيرًا عَلَى الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ طَلَبُ إِقْبَالِ الذَّاتِ لِعَمَلٍ أَوْ إِقْبَالِ الذِّهْنِ لِوَعْيِ كَلَامٍ .. فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْحُرُوفُ الَّتِي يُفْتَتَحُ بِهَا طَلَبُ الْإِقْبَالِ حُرُوفَ النِّدَاءِ .
وَيُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ بِطَلَبِ حَاجَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِدَاءٌ لِأَنَّ شَأْنَ الدُّعَاءِ فِي الْمُتَعَارَفِ أَنْ يَكُونَ جَهْرًا . أَيْ تَضَرُّعًا لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي نَفْسِ الْمَدْعُوِّ . وَمَعْنَى الْكَلَامِ : أَنَّ زَكَرِيَّاءَ قَالَ: يَا رَبِّ ، بِصَوْتٍ خَفِيٍّ.)
التحرير والتنوير ج16 ص63 .. باختصار .

* يقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :
( وَالنِّدَاءُ : إِعْلَانُ الْخِطَابِ ، وَهُوَ أَصْلُ حَقِيقَتِهِ فِي اللُّغَةِ، وَيُطْلَقُ النِّدَاءُ غَالِبًا عَلَى دُعَاءِ أَحَدٍ لِيُقْبِلَ بِذَاتِهِ أَوْ بِفَهْمِهِ لِسَمَاعِ كَلَامٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِرَفْعِ صَوْتٍ: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) مَرْيَم: 3 )
التحرير والتنوير ج8 ص134

* يقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :
عند قوله تعالى : (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ) الاعراف22
( وَالنِّدَاءُ : حَقِيقَتُهُ ارْتِفَاعُ الصَّوْتِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّدَى- بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَصْرِ- وَهُوَ بُعْدُ الصَّوْتِ ..
وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ فِي الْكَلَامِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ طَلَبُ إِقْبَالِ أَحَدٍ إِلَيْكَ، وَلَهُ حُرُوفٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ: تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْإِقْبَالِ، وَقَدْ شَاعَ إِطْلَاقُ النِّدَاءِ عَلَى هَذَا حَتَّى صَارَ مِنَ الْحَقِيقَةِ ..
وَتَفَرَّعَ عَنْهُ طَلَبُ الْإِصْغَاءِ وَإِقْبَالُ الذِّهْنِ مِنَ الْقَرِيبِ مِنْكَ ، وَهُوَ إِقْبَالٌ مَجَازِيٌّ.

* (وَناداهُما رَبُّهُما) مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَعْنَى الْمَشْهُورِ: وَهُوَ طَلَبُ الْإِقْبَالِ، عَلَى أَنَّ الْإِقْبَالَ مَجَازِيٌّ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ كَقَوْلِه تَعَالَى: ( وزكرياء إِذْ نَادَى رَبَّهُ ) [الْأَنْبِيَاء: 89] وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ.

* وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْكَلَامِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ( كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً ) الْبَقَرَة: 171 - وَقَوْلِهِ: ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها ) الْأَعْرَاف: 43 - وَقَوْلُ بَشَّارٍ:
نَادَيْتُ إِنَّ الْحُبَّ أَشْعَرَنِي ... قَتْلًا وَمَا أَحْدَثْتُ مِنْ ذَنْبِ

* وَرَفْعُ الصَّوْتِ يَكُونُ لِأَغْرَاضٍ ، وَمَحْمَلُهُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ صَوْتُ غَضَبٍ وَتَوْبِيخٍ .
وَظَاهِرُ إِسْنَادِ النِّدَاءِ إِلَى اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ نَادَاهُمَا بِكَلَامٍ بِدُونِ وَاسِطَةِ مَلَكٍ مُرْسَلٍ، مِثْلَ الْكَلَامِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ مُوسَى، وَهَذَا وَاقِعٌ قَبْلَ الْهُبُوطِ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ مُوسَى هُوَ أَوَّلُ نَبِيءٍ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَا وَاسِطَةٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نِدَاءُ آدَمَ بِوَاسِطَةِ أَحَدِ الْمَلَائِكَةِ.)
التحرير والتنوير ج8 ص66 .. باختصار

**************************

 (18)

..:: كيف نادى زكريا ربه نداء خفيا .. والنداء لا يكون خفيا بل مسموعا ؟ ::..
( إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً ) مريم3

* يقول الشيخ اسماعيل حقي النازلي رحمه الله :
( فان قلت شرط النداء الجهر فكيف يكون خفيا ؟
قلت دعا فى الصلاة فاخفاه ..
يقول الفقير : النداء وان كان بمعنى الصوت لكن الصوت قد يتصف بالضعف ويقال صوت خفى وهو الهمس .. فكذا النداء وقد صح عن الفقهاء ان بعض المخافتة يعد من أدنى مراتب الجهر )
تفسير روح البيان ج5 ص313

* يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :

( ووَصْف النداء هنا بأنه: (نِدَآءً خَفِيّاً) مريم:3 .. لأنه ليس كنداء الخَلْق للخَلْق ، يحتاج إلى رَفْع الصوت حتى يسمع، إنه نداء لله تبارك وتعالى الذى يستوي عنده السر والجهر، وهو القائل: ( وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ) الملك: 13 .
ومن أدب الدعاء أنْ ندعوَه سبحانه كما أمرنا: (ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً)  الأعراف: 55  .
وهو سبحانه (يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى) طه: 7  ..
أي: وما هو أَخْفى من السر؛ لأنه سبحانه قبل أن يكون سِرّاً، علم أنه سيكون سراً.

* لذلك جعل الحق سبحانه أحسن الدعاء الدعاء الخفي :
 لأن الإنسان قد يدعو ربه بشيء ، إنْ سمعه غيره ربما استنقصه .. فجعل الدعاء خَفياً بين العبد وربه حتى لا يُفتضحَ أمره عند الناس.
أما الحق سبحانه فهو ستَّار يحب الستر حتى على العاصين ..
وكذلك ليدعو العبد رَبَّه بما يستحي أنْ يذكره أمام الناس ، وليكون طليقاً في الدعاء فيدعو ربه بما يشاء ؛ لأنه ربُّه ووليه الذي يفزع إليه .
وإنْ كان الناس سيحزنون ويتضجرون إن سألتهم أدنى شئ ، فإن الله تعالى يفرح بك أن سألته .)
تفسير الشعراوي ج15ص 9024

* يقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :
( وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ نِدَاءً وَكَوْنِهِ خَفِيًّا ، لِأَنَّهُ نِدَاءُ مَنْ يَسْمَعُ الْخَفَاءَ . )
التحرير والتنوير ج16 ص63 ..

* يقول الشيخ زين الدين الرازي رحمه الله :
( فإن قيل : النداء الصوت والصياح يقال ناداه نداء أي صاح به ، فكيف وصفه تعالى بكونه خفياً ؟
قلنا : النداء هنا الدعاء ، وإنما أخفاه ليكون أقرب إلى الإخلاص ، أو لئلا يلام على طلب الولد بعد الشيخوخة ، أو لئلا يعاديه بنو عمه ويقولوا لو كره أن نقوم مقامه بعده فسأل ربه الولد لذلك .
أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل ص310

* يقول الشيخ أبو حفص النعماني رحمه الله :

( فصل في أدب زكريا في دعائه ..
راعى سُنَّة الله في إخفاء دعوته ؛ لأنَّ الجهر والإخفاء عند الله سيَّان ، وكان الإخفاء أولى ؛ لأنَّه أبعد عن الرِّياء ، وأدخلُ في الإخلاص .
وقيل : أخفاه ؛ لئلاَّ يلامُ على طلبِ الولدِ في زمان الشيخوخة
وقيل : أسرَّهُ من مواليه الذين خافهم .
وقيل : خِفْتُ صوتهُ ؛ لضعفه ، وهرمه ، كما جاء في صفةِ الشَّيْخ : صوتهُ خفاتٌ ، وسمعهُ تارات .

* فإن قيل : من شرط النِّداء الجهر ، فكيف الجمع بين كونه نداء وخفيًّ ؟ .
فالجوابُ من وجهين :

الأول : أنَّه أتى بأقصى ما قدر عليه من رفع الصوت ؛ إلا أنَّ صوته كان ضعيفاً ؛ لنهايةِ ضعفه بسببِ الكبر ، فكان نداءً ؛ نظراً إلى القصد ، خفيًّا نظراً إلى الواقع .

الثاني : أنَّه دعاه في الصَّلاة ؛ لأنَّ الله تعالى ، أجابه في الصَّلاة ؛ لقوله تعالى : (فَنَادَتْهُ الملاائكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المحراب أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ) آل عمران39 - فتكُون الإجابةُ في الصَّلاة تدلُّ على كون الدُّعاء في الصّلاة ؛ فوجب أن يكون النداءُ فيها خفيًّا ).
اللباب في علوم الكتاب ج13 ص6


* قلت (صاحب الموضوع) :

كون النداء خفيا .. ليس بمعنى كونه خفي الصوت .. كما فهمه بعض العلماء .. ولذلك سألوا هذا السؤال (كيف يكون نداء  "دعاء بصوت" ويكون خفيا) ؟!!
ولكن قد يكون المقصود هو بمعنى أنه دعا ربه نداء خفيا عن الناس .. فالخفاء منسوب ليس للنداء وإنما منسوب لعزلته عن الناس .. فهو لم ينادي ربه على الملأ .. بل ناداه في محرابه .. وكأنه مختفيا في محرابه في حال نداءه بربه ..
ولذلك لا داعي لهذا السؤال من أساسه ..!!

والله أعلم 

*******************************
(19)
..:: لماذا كان النداء خفيا ؟ ::..
ذكر العلماء رضوان الله عليهم أسبابا كثيرة في كون التوجه الى الله كان خفيا .. فملخص ما قاله العلماء :
1- الخفاء دليل على الإخلاص وعدم الرياء .. فهو رجل لا يحب الناس أن ترى أعماله الخفية مع الله .
2- لا يرائي الناس بعمله مع الله .. فتصيبه فتنة العُجب فيحجب عن مولاه ..
3- الابتعاد عن لائمة الناس والقيل والقال حول دعائه هذا .. فقد يقولون :هذا الشيخ الكبير في هذا العمر ويطلب الولد ..!!
4- خوفا من ابناء عمومته الذي رأى فيهم انحراف في منهج الحياة فكيف سيأتمنهم على منهج الله ؟!!
5- كان نداءه خفيا حتى لا يعلم ابناء عمومته نواياه .. فيكون ذلك سببا في معاداته

* وقلت (صاحب الموضوع) :
جال في خاطري سببين آخرين أذكرهما لكما ..
6- فقد يكون السبب : حتى لا يتحدث الناس باستجابة دعاءه فيكون فتنة للناس بعد ذلك ويلجئون إليه بدلا من اللجوء إلى الله ... خاصة وأنها كرامة تخالف قانون الأسباب كليا ..!!
7- وقد يكون السبب : كلما كانت الحاجة يحيطها الكتمان .. كان ذلك أبلغ في الوصول للمراد .. خوفا أيضا من الحسد (يحسدك من يسمعك) .. كما هو خوفا من الرياء وعدم الإخلاص .. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) ..
والله أعلم ..

* وإليك تفصيل لبعض ما ذكره العلماء رحمهم الله :

* يقول الشيخ المراغي رحمه الله :

( وإنما أخفى دعاءه ، لأنه أدل على الإخلاص ، وأبعد من الرياء ، وأقرب إلى الخلاص من لائمة الناس ، على طلب الولد وقت الكبر والشيخوخة .)
تفسير المراغي ج16 ص35 ..

* يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :

( لكن لماذا أخفي زكريا دعاءه ؟
دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد ، ولكن كيف يتحقق هذا المطلب وقد بلغ من الكبر عتياً وامرأته عاقر ؟ فكأن الأسباب الموجودة جميعها مُعطَّلة عنده ؛ لذلك توجه إلى الله بالدعاء : يا رب لا ملجأ لي إلا أنت فأنت وحدك القادر على خَرْق الناموس والقانون ، وهذا مطلب من زكريا جاء في غير وقته .
أخفاه أيضا ؛ لأنه طلب الولد في وجود أبناء عمومته الذين سيحملون منهجه من بعده ، إلاّ أنه لم يأتمنهم على منهج الله ؛ لأن ظاهر حركتهم في الحياة غير متسقة مع المنهج ، فكيف يأمنهم على منهج الله وهم غير مؤتمنين على أنفسهم ؟
فإذا دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد ليرث النبوة من بعده، فسوف يغضب هؤلاء من دعاء زكريا ويعادونه ؛ لذلك جاء دعاؤه خفياً يُسِرُّه بينه وبين ربه تعالى .)
تفسير الشعراوي ج15ص 9024

* يقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله :
( وَمَعْنَى الْكَلَامِ : أَنَّ زَكَرِيَّاءَ قَالَ: يَا رَبِّ ، بِصَوْتٍ خَفِيٍّ .
وَإِنَّمَا كَانَ خَفِيًّا لِأَنَّ زَكَرِيَّاءَ رَأَى أَنَّهُ أَدْخَلَ فِي الْإِخْلَاصِ مَعَ رَجَائِهِ أَنَّ اللَّهَ يُجِيبُ دَعْوَتَهُ لِئَلَّا تَكُونَ اسْتِجَابَتُهُ مِمَّا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْعُهُ تَضَرُّعًا .. وَإِنْ كَانَ التَّضَرُّعُ أَعْوَنَ عَلَى صِدْقِ التَّوَجُّهِ غَالِبًا ، فَلَعَلَّ يَقِينَ زَكَرِيَّاءَ كَافٍ فِي تَقْوِيَةِ التَّوَجُّهِ ، فَاخْتَارَ لِدُعَائِهِ السَّلَامَةَ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّيَاءِ .)
التحرير والتنوير ج16 ص63 ..
* قال الشيخ البقاعي رحمه الله :
( قال: (نداء خفياً) أي كما يفعل المحب القريب مع حبيبه المقبل عليه في قصد خطاب السر الجامع بين شرف المناجاة ولذاذة الانفراد بالخلوة ، فأطلع سبحانه عليه لأنه يعلم السر وأخفى ..
فكأنه قيل: كما ذلك الندا ؟ فقيل: (قال رب) بحذف الأداة للدلالة على غاية القرب )
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج12 ص168

*****************************
(20)
..:: هل النداء وسيلة الأنبياء لإجابة السماء ؟ ::..

من الأمور التي تستوقف الإنسان في القرآن .. هو أنك تجد بعد (مناداة الله) .. تجد (استجابة الله) ..

* تعالوا معا نرى ذلك في آيات القرآن ..:

1- سيدنا نوح :
 (وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) الأنبياء76
2- سيدنا يونس :
( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) الأنبياء87-88
3- سيدنا أيوب :
( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) الأنبياء83-84
4- سيدنا زكريا :
( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء89-90

*******************************
(21)
..:: هل زكريا دعا ربه أم ناداه ؟ ::..
:: ما الفرق بين (نادى ربه) ، (دعا ربه) ::

* قلت ( صاحب الموضوع ):
من الأمور التي استوقفتني أياما طويلة مثلما حدث سابقا بين (من لدنك) ، (من عندك) ..؟!!
فقد استوقفني سؤال حيرني بشدة وهو :
لماذا قال الله في آية (نادى ربه) ، وفي آية أخرى (دعا ربه) ؟
وإذا كان كلام السادة العلماء رضوان الله عليهم يتجه دائما في جعل النداء هو الدعاء .. وكأنه مرادف له في المعنى ..!!
فلماذا قال الله مرة (نادى) ومرة (دعا) ؟

* ونجد أن هذا لفظي (النداء والدعاء) .. حدث مرتين :
مرة مع سيدنا نوح ، ومرة مع سيدنا زكريا .. أي أن اللفظ القرآني جمع بين (النداء ، الدعاء)

* تعالوا معي نستعرض الايات حتى تستوعب السؤال الذي ذكرته لك ؟
* فيقول عن سيدنا نوح عليه السلام :
في النداء ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ ..) الأنبياء76
وفي الدعاء ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ) القمر10

* ويقول عن سيدنا زكريا عليه السلام :
في النداء ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ .. ) الأنبياء89
وفي الدعاء (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ... ) آل عمران38

* فلو كان النداء هو الدعاء في معناه .. فلماذا اختلف اللفظين في موضعين ..؟! ولماذا لم يوحِّد اللفظ القرآني بلفظ (دعا) .. ؟!!

* وقد حاولت البحث على مدى أسابيع لأعرف أو لأجد أحد قد تكلم عن الفرق القرآني لاختلاف موضع (نادى ، دعا) .. أي لماذا قال : مرة نادى ، ومرة دعا .. فلم أجد أحد تكلم عن ذلك ..!!
مثلما حدث سابقا عن (من عندك ، من لدنك) .. فلم أجد أحد تكلم عنها أو كتب فيها من قبل ..!!
واذكر لكم اجتهادي في المسألة ومن الله المدد .. وأرجو أن أكون قد وفقت ..

* أقول (صاحب الموضوع) بالله التوفيق :
النداء : هو طلب الاقبال ناحية الشخص المنادِي ..
والإقبال قد يكون إقبال ذاتي أو إقبال معنوي (سماعي) .. (وقد شرح ذلك الطاهر بن عاشور رحمه الله )

* وطلب الإقبال من الله .. هو أن يقبل الله على من يدعو بسماع طلبه وقبوله والإذن له في الدعاء ..

* لو لاحظنا سنجد أن الآيات حينما يأتي لفظ (النداء) مع الانبياء .. فهو يلحقه طلب من النبي ليأذن الله له في الدعاء .. ولذلك يقدم النبي أسبابه التي تستحق بسببها الدعاء ..
فإذا قبل الله هذه الأسباب .. فسيسمح له الله بالدعاء .. ويأذن له .. فإن أَذِنَ له .. فإن الدعاء أصبح مقبولا .. فيدعو ..

* وسبب من نادى من الأنبياء مثل نوح وزكريا : هو عدم وجود إذن مسبق له بالدعاء ولذلك يقدم طلبه الى الله عسى أن يُقبِل الله عليه بالإذن في الدعاء ..
والله أعلم

* وقلنا سابقا أن سبب طلب الاذن .. هو الخوف ان لا يكون متوافق مع مراد الله في هذا الوقت .. فيرد الله الدعاء فيقعد ملموما محسورا .. لإساءة الأدب مع الله .. وكأنه اعتدى في دعاءه بما لا يجوز له ..!!

* فالنداء سببه هو طلب الإذن بالدعاء .. ولذلك حينما طلب نوح الإذن بالدعاء لابنه فنادى ربه ..
فقال الله له : ليس من أهلك إنه عمل غير صالح .. فلا يحق لك أن تدعو له ..!!

* الخلاصة : أن مناداة الانبياء لربهم في القرآن .. تشير إلى طلب الإذن بالدعاء في شيء لم يأتي فيه لهم إذن بذلك .. ولذلك يلحق النداء دائما إيجاد أسباب في طلب الإذن بالدعاء ..
* فأيوب يقول : (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) ص41

* ونوح يقول : (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً ...... ) نوح 5-6  - إلى أن قال (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً) نوح26 .. فهذه الاية جاءت بعد المناداة السابقة في أكثر من عشرون آية .. ولذلك يقول الحق عنه : ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ) الصافات75

* وزكريا يقول : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً . وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً) مريم4-5

* ويونس يقول : (إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) الانبياء87

* قد يخطر سؤال ببال أحد فيقول :
فما بال الأنبياء الآخرين الذي جاء عنهم الدعاء مباشرة دون سبق نداء ؟
قلت (صاحب الموضوع) : وهناك من الأنبياء من دعا مباشرة لوجود الإذن الإلهي مسبقا له .. فلم يعد هناك داعي للنداء لأن الإذن الإلهي بالدعاء قد أتاه فعلا دون ان يطلبه ذلك النبي .. فدعا مباشرة .. دون عرض أسباب لطلب الدعاء (دون أن ينادي) ..!!
والله أعلم بحقائق كتابه ..

والله أعلم .

***********************
(22)
..:: لماذا لم يقل زكريا (يا رب) وقال (رب) ؟ ::..
(قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ) ، (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) ، (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً )
* قال الشيخ البقاعي رحمه الله :
( (قال رب) بحذف الأداة للدلالة على غاية القرب )
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج12 ص168

**********************************

 (23)
..:: هل تكرر دعاء زكريا عليه السلام ؟ ::..

* ويقول الشيخ أبو حيان الأندلسي رحمه الله :
( قِيلَ : وَذَكَرَ تَعَالَى فِي كَيْفِيَّةِ دُعَائِهِ ثَلَاثَ صِيَغٍ: أَحَدُهُا : هَذَا ، وَالثَّانِي : ( إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ) «سورة مريم: 19/ 4» إِلَى آخِرِهِ. وَالثَّالِثُ: ( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ ) «سورة الأنبياء: 21/ 89» ..
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ تَكَرَّرَ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِهَذِهِ الثَّلَاثِ الصِّيَغِ ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْإِجَابَةِ زَمَانًا . انْتَهَى .
وَلَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَكْرِيرُ الدُّعَاءِ ، كَمَا قِيلَ: لِأَنَّهُ حَالَةُ الْحِكَايَةِ قَدْ يَكُونُ حُكِيَ فِي قَوْلِهِ ( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً ) عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَازِ، وَفِي سُورَةِ مَرْيَمَ عَلَى سَبِيلِ الْإِسْهَابِ ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّطِ .
وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ إِنَّمَا هِيَ بِالْمَعْنَى ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِسَانُهُمْ عَرَبِيًّا ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ وَاحِدٌ مُتَعَقَّبٌ بِالتَّبْشِيرِ الْعَطْفُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ : فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَفِي قَوْلِهِ: ( فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى ) «سورة الأنبياء: 21/ 90» وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي مريم: ( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ ) «سورة مريم: 19/ 7» اعْتِقَابُ التَّبْشِيرِ الدُّعَاءُ لَا تَأَخُّرُهُ عَنْهُ .
البحر المحيط ج3 ص128


* قلت ( صاحب الموضوع ) :
اختلف مع الكلام السابق الذي ذكره صاحب البحر المحيط لأسباب :

1- لا مانع من تكرار الدعاء .. فليس هناك ما يمنع ذلك .. ولا مانع من تعقب البشارة .. بعد كل دعاء .. إلى حين أن تنتقل من حيز القول إلى حيز الفعل ..
فقد يكون بعد دعاءه في محراب مريم .. قد بشرته الملائكة بيحيى .. ولم تحدد له أوان حدوث ذلك ..
وبعد دعاءه في محرابه .. قد بشره الله وحيا بيحي وانه هذا أوان حدوث هذه المعجزة ..

2- ومن ناحية أخرى فالله يصف زكريا وزوجته أنه كانوا دائمي التوجه إلى الله بالدعاء ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) الأنبياء90 

* ولفظ المضارع ل (يدعوننا) .. يدل على دوام الحال بالدعاء إلى الله بلا انقطاع .. عبودية لله مطلقة ..   
فحالهم رضوان الله عليهم كان دوام التوجه إلى الله من باب العبودية لله .. 
فكيف نظن بعد ذلك أن دعاء زكريا كان مرة واحدة .. والقرآن يشهد له بدوام تضرعه إلى الله ، بل هو وزوجته وليس هو فقط ..

3- بل ويدل على إلحاح سيدنا زكريا في طلب الولد هو قوله تعالى ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) الانبياء89 
فهذه الآية تعطيني شعور بأن سيدنا زكريا كان مداوم عليها .. وهي كانت تتوسط الدعوة التي كانت في محراب مريم .. ثم واظب على هذه الدعوة التي في سورة الانبياء .. ثم ختمها بالدعاء الذي في سورة مريم حينما بلغ منه الكبر مبلغا شديدا من الضعف أكثر مما سبق .. فأخذ يتوسل لله وبعدم صلاح زوجته لتحقيق البشرى لكونها عاقر منذ الصغر وحتى دعاؤه .. 
وكانت الدعوة التي في سورة مريم هي التي ترتب عليها تنفيذ البشرى بعد ذلك .. بدليل ذكره لقصة يحيى بعد ذلك ( وسنتوسع في ذلك المقال الجزء القادم إن شاء الله تعالى )


والله أعلم بحقائق كتابه .

****************************
(24)
..:: من الذي بشر زكريا (الملائكة أم الله) ؟ ::..
( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى )
 ( فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ )

* قلت (صاحب الموضوع) :
وإن كان هذا خلاف فرعي بين العلماء .. ولكن أحببت أن أذكره لكم .. لأنه سؤال قد يدور بعقل البعض منك .. لاختلاف الألفاظ القرآنية .. لأن الله مرة قال (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) ، ومرة قال (فنادته الملائكة) ..!!
ولكن الإجابة ببساطة من وجهة نظري .. أن نقول : ان البشرى جاءت من الله عن طريق الملائكة ..!!
وقولنا ان الملائكة هي التي بشرت زكريا .. فالملائكة رسل الله ولا يفعلون شيئا الا بأمر الله .. فيكون الأمر وكأن الله أوحى إليه بذلك ..!!
فالمسألة كلها من الله وإليه ..!!
فلو قلت الملائكة بشرته .. فكأنك قلت : من الله جاءت البشرى ..!! أليس كذلك ؟!

* وأترككم من إجابات العلماء رضوان الله عليهم :

* فيقول الشيخ  أبو الطيب محمد صديق خان رحمه الله :
( قال جمهور المفسرين : إن هذا النداء من الله سبحانه ، وقيل من جهة الملائكة ، لقوله في آل عمران (فنادته الملائكة) ويمكن أن يكن وقع له الخطاب مرتين ، مرة بواسطة الملائكة وأخرى من غير واسطة ..
وفي الكلام حذف ، أي فاستجاب له دعاءه فقال : (يا زكريا إنا نبشرك بغلام) ..
وبين هذه البشارة ووجود الغلام في الخارج بالفعل ثلاث عشرة سنة لأن طلب زكريا للولد والبشارة به كان في صغر مريم وهي في كفالته ، وأن الحمل بيحيى كان مقارناً للحمل بعيسى ، وكانت مريم إذ ذاك بنت ثلاث عشرة سنة ، وأن أشاع حملت به قبل حمل مريم بعيسى بستة أشهر . )
فتح البيان في مقاصد القرآن ج8 ص138

* يقول الشيخ نعمة الله النخجواني رحمه الله :
( ثم لما كان دعاؤه عليه السّلام صادرا عن عزيمة صحيحة وإرادة صادقة .. وأراد في وقت قدر الله له في علمه بادر سبحانه الى إجابته وأمر الملائكة بالتبشير (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) بمقتضى الأمر الإلهي ووحيه (وَهُوَ) في تلك الحالة مترصد للاجابة (قائِمٌ) منتظر مقارن لانواع الخضوع والتذلل (يُصَلِّي) لله ويميل نحوه مقبلا عليه بعموم أعضائه وجوارحه (فِي الْمِحْرابِ) المعد للانابة والاستقبال قائلين له منادين عليه يا زكريا اعلم (أَنَّ اللَّهَ) السميع بمناجاتك ودعائك يجيبك و(يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) .
الفواتح الإلهية والمفاتيح الغيبية ج1 ص106

* قال الشيخ الهرري نقلا عن تفسير روح البيان :
( والحاصل : أن زكريا - عليه السلام - قد عرف ببعض الإمارات ، أن عصبته وهم إخوته وبنو عمه ربما استمروا على عادتهم في الشر والفساد ، فخافهم أن يغيروه ، وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته ، فطلب عقبًا من صلبه يقتدى به في إحيائه ، وينهج نهجه فيه ، فدعا بهذا الدعاء، ثم أخبر سبحانه أنه أجاب دعاءه ، وتولى تسمية الولد بنفسه، فقال: (يَا زَكَرِيَّا) وفي الكلام حذف تقديره؛ أي: فاستجاب له دعاءه ، فقال بوساطة الملك ، يا زكريا ، كما قال في سورة آل عمران، (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) .

* قلت (صاحب الموضوع ) :
أرى أن القول القائل بأن البشارة كانت مرتين هو الأصوب .. مرة من الملائكة ومرة بالوحي المباشر من الله .. لظهور النص القرآني بذلك ..
وسأبرهن على ذلك حينما نتكلم على الفروق بين النص القرآني في قصة زكريا في سورة آل عمران وفي سورة مريم ..
****************************
(25)
..:: مَن هم الملائكة التي قامت بمناداة سيدنا زكريا في المحراب ؟ ::..

(فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ)
- سيدنا جبريل أم جماعة من الملائكة –
- أم سيدنا جبريل ومعه جمع من الملائكة ؟ -

* يقول الشيخ طنطاوي رحمه الله :
(أى: فنادت الملائكة زكريا- عليه السّلام- وهو قائم يصلى في المحراب، يناجى ربه .
ويسبح بحمده بأن الله قد استجاب دعاءك ويبشرك بغلام اسمه يحيى ، لكي تقر به عينك ويسر به قلبك .
والتعبير بالفاء في قوله ( فَنادَتْهُ ) يشعر بأن الله – تعالى - فضلا منه وكرما قد استجاب لزكريا دعاءه بعد فترة قليلة من هذا الدعاء الخاشع ، إذ الفاء تفيد التعقيب .

* ويرى فريق من المفسرين أن الذي ناداه هو جبريل وحده ، ومن الجائز في العربية أن يخبر عن الواحد بلفظ الجمع .
قال ابن جرير : كما يقال في الكلام : خرج فلان على بغال البريد وإنما ركب بغلا واحدا وركب السفن وإنما ركب سفينة واحدة وكما يقال: ممن سمعت هذا ؟ فيقال: من الناس ، وإنما سمعه من رجل واحد ، وقد قيل : إن منه قوله - تعالى- ( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) والقائل كان فيما ذكر واحد .

* ويرى فريق آخر منهم أن الذي نادى زكريا وبشره بمولوده يحيى ، جمع من الملائكة لأن الآية صريحة في أن هذا النداء قد صدر من جمع لا من واحد ، ولأن صدوره من جمع يناسب هذه البشارة العظيمة ، فقد جرت العادة في أمثال هذه البشارات العظيمة أن يقوم بها جمع لا واحد ، ولا شك أن حالة زكريا وحالة زوجه تستدعيان عددا من المبشرين لإدخال السرور على هذين الشخصين الذين كادا يفقدان الأمل في إنجاب الذرية .

* وقد رجح هذا الاتجاه ابن جرير فقال «وأما الصواب من القول في تأويله فأن يقال : إن الله- جل ثناؤه- أخبر أن الملائكة نادته ، والظاهر من ذلك أنها جماعة من الملائكة دون الواحد ، جبريل واحد فلا يجوز أن يحمل تأويل القرآن إلا على الأظهر الأكثر من الكلام المستعمل في ألسن العرب دون الأقل ما وجدنا إلى ذلك سبيلا ، ولم تضطرنا حاجة إلى صرف ذلك إلى أنه بمعنى واحد فيحتاج له إلى طلب المخرج بالخفي من الكلام والمعاني »
التفسير الوسيط لطنطاوي ج2 ص95

* يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :
( هل كل الملائكة اجتمعوا أو نادوا زكريا ؟
لا ، لأن جبريل عليه السلام الذي ناداه .
ولماذا جاء القول الحق هنا بأن الملائكة هي التي نادته ؟
لقد جاء هذا القول الحق لنفطن إلى شيء هو، أن الصوت في الحدث - كالإنسان - له جهة يأتي منها، أما الصوت القادم من الملأ الأعلى فلا يعرف الإنسان من أين يأتيه، إن الإنسان يسمعه وكأنه يأتي من كل الجهات، وكأن هناك ملكا في كل مكان .

* والعصر الحديث الذي نعيشه قد ارتقى في الصوتيات ووصل لدرجة أن الإنسان أصبح قادرا على جعل المؤثر الصوتي يحيط بالإنسان من جهات متعددة ، إذن فقوله الحق : ( فَنَادَتْهُ الملائكة ) فهذا يعني أن الصوت قد جاء لزكريا من جميع الجهات . )
تفسير الشعراوي ج3 ص1445

* قلت ( صاحب الموضوع ) :
ما المانع أن نجمع بين الآراء فنقول .. أنه كان جمعا من الملائكة يتقدمه جبريل عليه السلام كونه رئيس الملائكة وأمين الوحي للانبياء والرسل ..!!
والله أعلم .

**************************
(26)
..:: لماذا قالت الملائكة (إن الله يبشرك بيحيى) ولم تقل (إن ربك يبشرك بيحيى) ؟ ::..

* قلت (صاحب الموضوع) :
إذا كان سيدنا زكريا توسل إلى الله بربوبيته في طلب العطاء .. فإن الله قد أجابه باسم الألوهية الذي يمنح به لخاصة عباده المقربين .. فالإسم (الله) كان ..
1- للدلالة على أن العطاء سيكون عطاء خصوصية لأهل الخصوصية .. وهذا لا يأتي إلا من حضرة الألوهية ..
2- للدلالة على صدق منهجة مع الله وأنه على صراط مستقيم ..
3- للدلالة على أن (يحيى) سيكون صاحب منهج إلهي .. وسيؤيد بمدد الألوهية وليس بمدد الربوبية فحسب ..
والله أعلم .

* قال الشيخ البقاعي رحمه الله :
(قوله: ( أن الله يبشرك ) قال الحرالي : فذكر الاسم الأعظم المحيط معناه بجميع معاني الأسماء ، ولم يقل إن ربك لما كان أمر إجابته من وراء الحكمة العادية . )
تفسير نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ج4 ص365
*********************
(27)
..:: لماذا سأل سيدنا زكريا عن كيفية حدوث ذلك .. بالرغم من تيقنه ببشارة الله ؟!! ::..

( قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً ) مريم8

* ( قال ابن عباس : كان زكريا يوم بشر بيحيى ابن عشرين ومائة سنة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة )
تفسير الفخر الرازي ج 8 ص 214  ..

* قال الشيخ مجير الدين المقدسي رحمه الله :
(وقولُ زكريا لم يكنْ شَكًّا في وعِد الله ، إنما شَكَّ في كيفيته ؛ أي: كيف ذلك ؟ يجعلُني أنا وامرأتي شابَّيْنِ، أم يرزقُنا ولدًا على الكِبَرِ منَّا، أم يرزقُني من امرأةٍ أخرى؟ فقال مستفهِمًا لا شَكًّا.)
فتح الرحمن في تفسير القرآن ج1 ص449

* يقول الشيخ القرطبي رحمه الله :
(وَفِي مَعْنَى هَذَا الِاسْتِفْهَامِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَأَلَ هَلْ يَكُونُ لَهُ الْوَلَدُ وَهُوَ وَامْرَأَتُهُ عَلَى حَالَيْهِمَا أَوْ يُرَدَّانِ إِلَى حَالِ مَنْ يَلِدُ؟. الثَّانِي سَأَلَ هَلْ يُرْزَقُ الْوَلَدُ مِنِ امْرَأَتِهِ الْعَاقِرِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى بِأَيِّ مَنْزِلَةٍ أَسْتَوْجِبُ هَذَا وَأَنَا وَامْرَأَتِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، عَلَى وَجْهِ التَّوَاضُعِ.)
تفسير القرطبي ج4 ص79

* يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :
( فالعجب في الهيئة التي سيصير عليها الإنجاب فقوله: (أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقد بلغني الكبر وامرأتي عَاقِراً) هذا التساؤل من زكريا يهدف به إلى معرفة الهيئة أو الحالة التي سيأتي بها الإنجاب ، لأن الإنجاب يأتي على حالات متعددة . فلما أكد الله ذلك قال : «كذلك» ماذا تعني كذلك ؟
إنها تعني أن الإنجاب سيأتي منك ومن زوجك وأنتما على حالكما ، أنت قد بلغت من الكبر عتيا ، وامرأتك عاقر . لأن العجيبة تتحقق بذلك ، أكان من المعقول أن يردهما الله شبابا حتى يساعداه أن يهبهما الولد؟ لا. لذلك قال الحق: ( كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ) . أي كما أنتما ، وعلى حالتكما.)
تفسير الشعراوي ج3 ص1451

* يقول الشيخ طنطاوي رحمه الله :
(قال بعضهم: وإنما قال ذلك استفهاما عن كيفية حدوث الحمل ..
أو استبعادا من حيث العادة ..
أو استعظاما وتعجبا من قدرة الله – تعالى - ..
لا استبعادا أو إنكارا .. - « حاشية الجمل على الجلالين ج 1 ص 268 » )
التفسير الوسيط لطنطاوي ج2 ص98 .. باختصار .

* يقول الشيخ طنطاوي رحمه الله :
 (فإن قيل: «ما المراد باستفهام زكريا- عليه السلام- مع علمه بقدرة الله- تعالى- على كل شيء؟
فالجواب : أن استفهامه إنما هو على سبيل الاستعلام والاستخبار ، لأنه لم يكن يعلم أن الله- تعالى- سيرزقه بيحيى عن طريق زوجته العاقر ، أو عن طريق الزواج بامرأة أخرى ، فاستفهم عن الحقيقة ليعرفها .
ويصح أن يكون المقصود بالاستفهام التعجب والسرور بهذا الأمر العجيب حيث رزقه الله الولد مع تقدم سنه وسن زوجته.
ويجوز أن يكون المقصود بالاستفهام الاستبعاد لما جرت به العادة من أن يأتى الغلام مع تقدم سنه وسن زوجته. وليس المقصود به استحالة ذلك على قدرة الله- تعالى- لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء.)
التفسير الوسيط لطنطاوي ج9 ص18

* يقول الشيخ زين الدين الرازي رحمه الله :
(فإن قيل: كيف طلب الولد بقوله (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) أى ولداً صالحاً، فلما بشره الله تعالى به بقوله: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ ... الآية) استبعد ذلك وتعجب منه وأنكره بقوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ ... الآية) ؟
قلنا: لم يكن ذلك عن طريق الإنكار والاستبعاد ، بل ليجاب بما أجيب به فيزداد الموقنون إيقاناً ويرتدع المبطلون، والا فمعتقد زكريا أولا وأخراً كان على منهاج واحد في أن الله تعالى غنى عن الأسباب .
الثانى: أنه قالى ذلك تعجب فرح وسرو لا تعجب إنكار واستبعاد .
الثالث: قيل: إنه قال ذلك استفهاماً عن الحالة التى يهبه الله تعالى فيها الولد، أيهبه في حالة الشيخوخة أم يرده إلى حالة الشباب ثم يهبه .. ولكن هذا الجواب لا يناسبه ما أجيب به زكريا عليه الصلاة والسلام بعد استفهامه.)
أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل ص311

* يقول الشيخ محمد الأمين الهرري :
( قال الإمام (في روح البيان): فان قيل: لم تعجَّب زكريا بقوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) مع أنه طلبه ؟
قلنا: تعجب من أن يجعلهما شابين ، ثم يرزقهما الولد ، أو يتركهما شيخين ، ويلدان مع الشيخوخة ، يدل عليه قوله تعالى : (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)؛ أي: أعدنا له قوة الولادة . انتهى .

* وفي "الأسئلة المقحمة": أراد مَن التي يكون منه هذا الولد ، أَمِن هذه المرأة وهي عاقر أم من امرأة أخرى أتزوج بها ، أو مملوكة ..
أي: ومن أي وجه يكون لي ذلك ، وامرأتي عاقر لا تحبل ، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء ، أبأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك ، وتجعل زوجي ولودًا ، وأنت القادر على ما تشاء ، أم بأن أتزوج زوجًا غير تلك العاقر ؟ .

* وخلاصة ذلك : أنه يستثبت ربه الخبر عن الوجه الذي يكون من قبلها الولد الذي بشره به ، لا إنكار منه لذلك ، وكيف يكون منه الإنكار لذلك ، وهو المبتدىء مسألة ربه بقوله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) ؟ .
تفسير حدائق الروح والريحان ج17 ص94

* يقول الشيخ أبو حيان الاندلسي رحمه الله :
( " قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ " كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ سُؤَالُهُ به : " رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً " فَلَا شَكَّ فِي إِمْكَانِيَّةِ ذَلِكَ ، وَجَوَازِهِ : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَبَشَّرَتْهُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ ، فَمَا وَجْهُ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ ؟ .
وَأُجِيبَ بِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ سُؤَالٌ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ ، وَالْمَعْنَى : أَيُولَدُ لِي عَلَى سِنِّ الشَّيْخُوخَةِ وَكَوْنِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ؟ أَيْ بَلَغَتْ سَنَّ مَنْ لَا تَلِدُ ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ سَنَةً ، وَامْرَأَتُهُ بَلَغَتْ ثَمَانِيًا وَتِسْعِينَ سَنَةً . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يَوْمَ بُشِّرَ ابْنَ عِشْرِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ . وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً .
أَمْ أُعَادُ أَنَا وَامْرَأَتِي إِلَى سِنِّ الشَّبِيبَةِ وَهَيْئَةِ مَنْ يُولَدُ لَهُ ؟
فَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُولَدُ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ . قَالَ مَعْنَاهُ: الْحَسَنُ ، وَالْأَصَمُّ .

الثَّانِي : أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِالْوَلَدِ اسْتَعْلَمَ : أَيَكُونُ ذَلِكَ الْوَلَدُ مِنْ صُلْبِهِ نَفْسِهِ أَمْ من بينه ؟.

الثَّالِثُ : أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ السُّؤَالَ ، وَكَانَ بَيْنَ السُّؤَالِ وَالتَّبْشِيرِ أَرْبَعُونَ سَنَةً . وَنُقِلَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتُّونَ سَنَةً .

الرَّابِعُ : أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْلَامَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْظَامِ لِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، يَحْدُثُ ذَلِكَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْآيَاتِ وَهُوَ يَرْجِعُ مَعْنَاهُ إِلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ، لِكَوْنِهِ كَالْمَدْهُوشِ عِنْدَ حُصُولِ مَا كان مستبعدا لَهُ عَادَةً .

الْخَامِسُ : إِنَّمَا سَأَلَ لِأَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الْجِمَاعِ لِكِبَرِ سِنِّهِ ، فَسَأَلَ رَبَّهُ : هَلْ يُقَوِّيهِ عَلَى الْجِمَاعِ وَامْرَأَتُهُ عَلَى الْقَبُولِ عَلَى حَالِ الْكِبَرِ ؟

السَّادِسُ : سَأَلَ هَلْ يُرْزَقُ الْوَلَدُ مِنَ امْرَأَتِهِ الْعَاقِرِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا .

السَّابِعُ: أَنَّهُ لَمَّا بُشِّرَ بِالْوَلَدِ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ لِيُكَدِّرَ عَلَيْهِ نِعْمَةَ رَبِّهِ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَدْرِي مَنْ نَادَاكَ؟ قَالَ: مَلَائِكَةُ رَبِّي! قَالَ لَهُ : بَلْ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ لَأَخْفَاهُ لَكَ كَمَا أَخْفَيْتَ نِدَاءَكَ ، فَخَالَطَتْ قَلْبَهُ وَسْوَسَةٌ ، فَقَالَ : أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ لِيُبَيِّنَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْوَحْيِ ، قَالَهُ عِكْرِمَةُ ، وَالسُّدِّيُّ .
قَالَ الْقَاضِي : لَوِ اشْتَبَهَ عَلَى الرُّسُلِ كَلَامُ الْمَلَكِ بِكَلَامِ الشَّيْطَانِ لَمْ يَبْقَ الْوُثُوقُ بِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ .
وَأُجِيبَ : بِأَنَّ مَا قَالَهُ لَا يَلْزَمُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَقُومَ الْمُعْجِزَةُ عَلَى الْوَحْيِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحَ الدُّنْيَا فَرُبَّمَا لَا يُؤَكَّدُ بِالْمُعْجِزَةِ ، فَيَبْقَى الِاحْتِمَالُ ، فَيَطْلُبُ زَوَالَهُ .

* وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ : اسْتِبْعَادٌ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ . كَمَا قَالَتْ مَرْيَمُ . انْتَهَى .
وَعَلَى مَا قَالَهُ : لَوْ كَانَ اسْتِبْعَادًا لَمَا سَأَلَهُ بِقَوْلِهِ : هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً لِأَنَّهُ لَا يَسْأَلُ إِلَّا مَا كَانَ مُمْكِنًا لَا سِيَّمَا الْأَنْبِيَاءُ ، لِأَنَّ خَرْقَ الْعَادَةِ فِي حَقِّهِمْ كَثِيرُ الْوُقُوعِ .
البحر المحيط ج3 ص136

* تعليق من ( صاحب الموضوع ) على الآراء التي ذكرها أبو حيان الأندلسي رحمه الله :

* الإحتمال الثالث .. هو احتمال خاطيء تماما .. فهل ينسى النبي ما دعا به ربه .. خاصة في مسألة مثل هذه ؟!! فضلا على أنه لا يوجد دليل على طول الفترة الزمنية للتبشير لدلالة النص القرآني على ذلك .. و هناك خلاف بين العلماء على فترة إجابة الدعاء وإن البعض رجحها بثلاثة عشر عاما ..!! 
وعموما هذا الإحتمال الذي نعترض عليه مبني على أن سيدنا زكريا دعا ربه .. وبعد أربعون أو ستون عاما جائته الملائكة بالبشرى .. ولذلك قد نسى سؤاله لربه ..!!
فهل هذا كلام يُعقل !!
وعموما قد قال بهذا القول أفراد من المجتهدين ..

* وقال الشيخ الألوسي رحمه الله :
( قوله تعالى : ( فَنَادَتْهُ الملائكة ) وفي قوله سبحانه : ( فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى ) الأنبياء : 90 - وظاهر قوله جل شأنه فِي مريم : ( إِنَّا نُبَشّرُكَ ) مريم : 7 - اعتقاب التبشير الدعاء لا تأخره عنه ، وأثر إن بين الدعاء والإجابة أربعين سنة لم نجد له أثراً فِي الصحاح .. )
روح المعاني ج 3 ص 144 ـ 145

* وغالب إجماع المفسرين على أن التبشير بيحيى في فترة زمنية قريبة من الدعاء .. ولكنهم اختلفوا هل التبشير تم فورا في محراب السيدة مريم أم حينما ذهب يصلي في محرابه .. كما شرحنا ذلك سابقا فارجع إليه .. !!

* والاحتمال السابع : قد أظهر القاض عياض .. فساده تماما .. لأنه هكذا سيتم اتهام الشرائع بتسليط الشيطان على الرسل بالخلط عليهم وهذا محال كما هو معلوم ..!!
ومن قاموا بالرد على القاضي عياض .. بقولهم أن هذا قد يحدث في الأمور الدنيوية وغير الدينية .
فقد اخطأوا في ذلك .. لأن هذا لم يكن مسألة بشرية بين سيدنا زكريا وأصحاب له .. بل كان أمرا ربانيا لأن المنادي لزكريا هم الملائكة .. فكيف يحدث له خلط ؟.. وهل سيدنا زكريا سيعجز عن التمييز بين الملائكة والشيطان .. ؟!!

* أما ما قاله الزمخشري : أن سيدنا زكريا استبعد على سبيل العادة حدوث هذا الأمر لعدم توافق الأسباب لحدوث هذا الإنجاب ..!!
فقد أجاب عليه المفسر أبو حيان سابقا .. بما معناه أنه لو كان سيدنا زكريا استبعد حدوث ذلك .. فلماذا دعا ربه من أول الأمر .. (رب هب لي من لدنك) ؟!!

********************************

(28)
..:: لماذا طلب زكريا عليه السلام آية من الله بعدما أكدت له الملائكة يقينا أن الله أجاب دعاءه ؟ ::..

( قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ) آل عمران41

* هنا سؤال يجول بخاطر البعض منا .. وهو لماذا طلب سيدنا زكريا الآية من الله .. بالرغم من بشارة الملائكة ومعرفته بكيفية حدوث ذلك .. ثم طلب بعد ذلك آية ؟!! لماذا ؟
فالآية أوالإشارة أوالعلامة في حقيقتها ما هي إلا دليل وبرهان على صدق البيان .. فهل كان زكريا عليه السلام يشك في الأمر أن يتحقق حتى يطلب من الله البيان على ذلك ؟

* يقول الشيخ طنطاوي رحمه الله :
(حكى القرآن أن زكريا- لشدة لهفته على تحقق البشارة- سأل ربه أن يجعل له علامة تكون دليلا على تحقيق الحمل عند زوجته فقال- تعالى: (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً)
أى قال زكريا مناجيا ربه : يا رب إنى أسألك أن تجعل لي (آيَةً) أى: علامة تدلني على حصول الحمل عند زوجتي: لأبادر إلى القيام بشكر هذه النعمة شكرا جزيلا ولأقوم بحقها حق القيام .
وقد أجابه- سبحانه- إلى طلبه فقال: (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً).
أى قال الله- تعالى- لعبده زكريا: (آيتك) أى علامتك ألا تقدر على كلام الناس من غير آفة في لسانك لمدة ثلاثة أيام إلا (رَمْزاً) أى إلا عن طريق الإيحاء والإشارة.)
التفسير الوسيط لطنطاوي ج2 ص99

* يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :
(ويقول زكريا: ( قَالَ رَبِّ اجعل لي آيَةً ... ) .. إن زكريا يطلب علامة على أن القول قد انتقل إلى فعل .
( قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ) مريم: 8 - 9 .
لقد كان هذا القول تأكيدا لا شك فيه ، فبمجرد أن قال الرب فقد انتهى الأمر . فماذا يريد زكريا من بعد ذلك ؟

* إنه يطلب آية ، أي علامة على أن يحيى قد تم إيجاده في رحم أمه ، وما دامت المرأة قد كبرت فهي قد انقطع عنها الحيض، ولا بد أنه عرف الآية لأنه يعرف مسبقا أنها عاقر . لكن زكريا لم يرغب أن يفوت على نفسه لحظة من لحظات هبات الله عليه ..

* وما دام الحمل قد حدث فهنا كانت استغاثة زكريا ، لا تتركني يارب إلى أن أفهم بالعلامات الظاهرة المحسة ، لأنني أريد أن أعيش من أول نعمتك علىّ في إطار الشكر لك على النعمة، فبمجرد أن يحدث الإخصاب لا بد أن أحيا في نطاق الشكر؛ لأن النعمة قد تأتي وأنا غير شاكر.
إنه يطلب آية ليعيش في نطاق الشكر، إنه لم يطلب آية لأنه يشك - معاذ الله - في قدرة الله ، ولكن لأنه لا يريد أن يفوت على نفسه لحظة النعمة من أول وجودها إلا ومعها الشكر عليها ، والذي يعطينا هذا المعنى هو القول الحق: ( قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً واذكر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار ) . لا بد أن معناها أنه يرغب في الكلام فلا يستطيع .

* إن هناك فارقا بين أن يقدر على الكلام ولا يتكلم ، وبين ألا يقدر على الكلام . وما دامت الآية هبة من الله. فالحق هو الذي قال له : سأمنعك من أن تتكلم ، فساعة أن تجد نفسك غير قادر على الكلام فاعرف أنها العلامة ، وستعرف أن تتكلم مع الناس رمزا ، أي بالإشارة ، وحتى تعرف أن الآية قادمة من الله ، وأن الله علم عن عبده أنه لا يريد أن تمر عليه لحظة مع نعمة الله بدون شكر الله عليها ، فإننا نعلم أن الله سينطقه. . ( واذكر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بالعشي والإبكار ) .

* لقد أراد زكريا أن يعيش من أول لحظة مع نعمة المنعم شكرا، وجعل كل وقته ذكرا ، فلم ينشغل بالناس أو بكلام الناس ، وذكر الرب كثيرا هو ما علمه - سبحانه - عن زكريا عندما طلب الآية ليصحبها دائما بشكر الله عليها..

* إن قوله: ( واذكر رَّبَّكَ كَثِيراً ) تفيد أن زكريا قادر على الذكر وغير قادر على كلام الناس ، لذلك لا يريد الله أن يشغله بكلام الناس، وكأن الله يريد أن يقول له : ما دمت قد أردت أن تعيش مع النعمة شكرا فسأجعلك غير قادر على الكلام مع الناس لكنك قادر على الذكر .
والذكر مطلقا هو ذكر الله بآلائه وعظمته وقدرته وصفات الكمال له ، والتسبيح هو التنزيه لله ، لأن ما فعله الله لا يمكن أن يحدث من سواه ، فسبحان الله ، معناها تنزيه لله ، لأنه القادر على أن يفعل ما لا تفعله الأسباب ولا يقدر أحد أن يصنعه .. إنه يريد أن يشكر الحق الذي يرزق من يشاء بغير حساب . )
تفسير الشعراوي ج3 ص1448-1449

* يقول الشيخ محمد الأمين الهرري :
(ثم أخبر سبحانه : أن زكريا تاقت نفسه إلى سرعة وجود المبشر به ، ليطمئن قلبه بما وعد به ، لا لتوقف عن صدق ما وعد به ، ولا لتوهم أن ذلك من عند غير الله ، لعصمة الأنبياء عن مثل ذلك (قَالَ) زكريا (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً)؛ أي: علامةً على تحقق المسؤول في زمن معين ، إذ كانت البشارة غير مقيدة بوقت ، والحمل خفي في مبدئه ، ولا سيما ممن انقطع حيضها لكبرها ، إلا أنه أراد أن يطلعه على ذلك ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر حين حدوثها ، ثم بين أنه أجابه إلى ما طلب فقال: (قَالَ) الله سبحانه (آيَتُكَ) ؛ أي: علامتك على وجود المبشر به ، وحصول الحمل (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) ؛ أي: أن لا تقدر على تكليم الناس بكلامهم المعروف في محاوراتهم ومخاطباتهم، مع القدرة على التسبيح والذكر ..)
تفسير حدائق الروح والريحان ج17 ص96

* يقول الشيخ زين الدين الرازي رحمه الله :
( فإن قيل: كيف طلب العلامة على وجود الولد بعد ما بشره الله تعالى به ، أكان عنده شك بعد بشارة الله تعالى في وجوده حتى طلب العلامة ؟
قلنا : إنما طلب العلامة على وجود الحمل ليبادر إلى الشكر ، ويتعجل السرور ، فإن الحمل لا يظهر في أول العلوق بل بعد مدة .
فأراد معرفته أول ما يوجد ، فجعل الله تعالى آية وجود الحمل عجزه عن الكلام ، وهو سوي الجوارح ما به خرس ولا بكم .)
أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل ص311

****************************

 (29)
..:: لماذا نادت الملائكة زكريا (فنادته الملائكة) وهي تملك الحضور معه لتخبره ؟!! ::..

(فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ) آل عمران39
* قلت (صاحب الموضوع) :
قلنا أن النداء يطلب به إقبال المنادى أو إلتفات إلى أمر ما ..
ونجيب على سؤال مهم .. وهو لماذا نادت الملائكة زكريا طالما هي تملك الحضور معه في ذات المكان ..
* فما الداعي للنداء ؟
قلت لأسباب :
1- قد يكن هذا لتصوير مشهد للملائكة وهي فرحة بتبليغ البشرى لزكريا .. فكأنها وهي قادمة من عند الله وهي تنادي على زكريا لتبشيره ..
ومثال ذلك : حينما ينتظر شخص نتيجة اختبار .. فيأتي أخوه أو صديقه بنتيجة مفرحة له .. فلما بدأ أخوه أو صديقه يقترب منه فيبدأ ينده عليه من بعيد (يا فلان يا فلان ) عاليا بصوته فرحا بتبليغه .. حتى يقترب منه فيبلغه بهذه النتيجة المفرحة ..

* فكذلك الحال كان بين الملائكة وزكريا .. فالملائكة لم تنتظر أن تقترب إليه لتبلغه الخبر بل نادت عليه لتلفت انتباهه إلى بشرى من الله .. فلما جائته الملائكة وحضرته .. فأخبرته بحقيقة البشرى ..

2- وقد يكون سيدنا زكريا في حال الغيبة بالله مع الله .. لأنه كان يصلي لله .. (سواء صلاة بمعنى الدعاء أو صلاة ركوع وسجود) .. فلما كان بروحه في حضرة الله .. فقد نادت عليه الملائكة ليعود في حضرة الوجود لتخبره ببشارة الله ..

3- وقد تكون هذه ملائكة الملأ الأعلى التي قامت بتبشيرة فاحتاج الأمر إلى نداء .. بخلاف الملائكة الأرضية الحفظة المحيطة بالإنسان ..

* وممكن أن يسأل شخص فيقول ..: لماذا لم يخبره الله في حضرة العبودية ؟
قلت لسببين :
1- حضرة العبودية تقتضي العبودية وطلب الإخلاص وصدق التوجه لله .. بلا مقابل مُنتَظَر .. أي عبودية محضه .
2- كان الغرض من الملائكة هو تشريف سيدنا زكريا بحضور ملائكة الله بالبشرى له ..
ومثال ذلك : حينما يرسل الملوك والرؤساء (تشريفة الزيارة الخاصة بكبار الزوار) .. للترحيب بهم وتشريفهم وإكرامهم وحسن ضيافتهم ..
والله أعلم

* مع التذكير على أن بعض العلماء قال رأيه : أن الملائكة أخبرته مرة .. والله أخبره مرة أخرى ..
والله أعلم

********************
(30)
..:: لماذا القرآن قال في زكريا (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ) ، وفي مريم قال (قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ) ؟!! ::..

* نداء الملائكة هو قول .. ولكنها نادت على زكريا كما أخبرنا سابقا للتعجيل بالبشرى له مثلما يسعى شخص بالبشرى لغيره .. أو لجذبه من حضرة الوقوف بروحه من حضرة الله حتى يسمع بشرى الله ..

* وكذلك سبب النداء هو استجابة لنداء مسبق من زكريا .. فكأن الله يقول : كما نادانا لنسمع دعاءه .. فقد ناديناه حينما اجبنا دعاؤه .. فكما طلب اقبالنا عليه بطلب الدعاء .. فقد طلبنا إقباله علينا لمشاهدة استجابتنا لدعاءه .. حتى يعلم أنه لم يكن بدعاء ربه شقيا ولا محروما ..

* أما عن السيدة مريم .. فهي لم يكن لها نداء إلى الله او دعاء بهذه البشرى التي أخبرتها بها الملائكة .. فهي كانت عابدة إلى الله .. فجائتها الملائكة وقالت لها بشرى الله إليها .. فليس هناك سبب للنداء عليها بهذه البشرى لأنها لم تكن منتظرة شيء !!
فهذا هو السبب بين قوله تعالى (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ) لزكريا ، وبين قوله تعالى (قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ) لمريم عليهما السلام ..
والله أعلم

***************************
(31)
..:: هل انشغل زكريا بالحديث مع الملائكة ؟ ::..
أو
:: لماذا توجه إلى الله بالرغم من أن النداء من الملائكة ؟ ::

( فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) آل عمران39-40

* كنا ذكرنا قبل ذلك في أجزاء سابقة أن أن بعض المفسرين قالوا أن توجيه الكلام لزكريا كان لجبريل .. حينما قال (قال رب) : أي يا سيدي (جبريل) كيف يحدث ذلك ..
وهذا قول أنكره كثير من علماء التفسير .. والراجح عند عموم المفسرين أن قول سيدنا زكريا (قال رب) : هو التوجه لله رب العالمين للاستعلام عن كيفية حدوث هذا الامر العجيب .. بعد تبشير الملائكة له بذلك .
والله أعلم ..

* ونعود لإجابة السؤال بناءا على تفسير عموم السادة المفسرين رحمهم الله .. وهو لماذا وجه السؤال لله بدلا من الملائكة ؟

 * يقول الشيخ طنطاوي رحمه الله :
( والجملة الكريمة استئناف مبنى على سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال زكريا عند ما بشرته الملائكة؟ فكان الجواب: قال رب أنى يكون لي غلام.

* وقد خاطب زكريا ربه : مع أن النداء له صدر من الملائكة .. للإشعار بالمبالغة في التضرع وأنه قد طرح الوسائط واتجه إلى خالقه مباشرة يشكره ويظهر التعجب من قدرته لأنه – سبحانه - أعطاه ما لم تجر العادة به )
التفسير الوسيط لطنطاوي ج2 ص98

* قال الشيخ محمد الامين الهرري :
({قَالَ} زكريا ، استئناف بياني على سؤال مقدر، كأنه قيل : فماذا قال زكريا حينئذ ، فقيل: قال: {رَبِّ} ناداه تعالى بالذات مع وصول خطابه تعالى إليه ، بتوسط الملك للمبالغة في التضرع والمناجاة ، والجد في التبتل إليه تعالى ، والاحتراز عما عسى يوهم خطابه للملك من توهم أن علمه بما صدر منه متوقف على توسطه ، كما أن علم البشر بما يصدر عنه سبحانه، متوقف على ذلك في عامة الأوقات )
تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن ج17 ص93

* تعليق من (صاحب الموضوع) على كلام الشيخ الهرري  :
وكأن الشيخ يشير للطيفة .. وهي ان زكريا توجه لله للاستعلام والتعجب عن كيفية حدوث الفعل .. ولكن جبريل أو الملائكة هي الواسطة في رفع استعلام وتعجب زكريا .. والملائكة أيضا هي الوسيط لاجابة رب العالمين لزكريا ..
والله أعلم بمراد الشيخ ..

*******************************
 (32)
..:: ما الفرق بين (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً) ، قوله (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) ؟ ::..



يتبع المقال القادم إن شاء الله تعالى

**************************************


والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم


هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات في الإسلام - ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع المدونة إلا بإذن من صاحب المدونة - أ/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة فعليه بالإشارة إلى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي . ولا يحق لأحد النسخ أو الطباعة إلا بإذن من صاحب المدونة الأستاذ / خالد أبوعوف .

هناك 18 تعليقًا:

  1. بسم الله ماشاء الله زادك الله علما وادبا فى حضره المولى سبحانه وتعالى أ/ خالد
    مادمت قد اردت أن تعيش مع النعمه شكرا فسأجعلك غير قادر على الكلام مع الناس؛ لكنك قادر على الذكر..
    إنه يريد أن يشكر الحق الذى يرزق من يشاء بغير حساب هذا تفسيركم الكريم فيالها من معجزه فإن دلت فإنما تدل على عظمه الله وقدرته على ملكاتنا لسان له حالان فى وقت واحد !!!
    حالا يسكت فيه عن الكلام و حالا لا يسكت فيه عن ذكر الله سبحانه ذى الجلال والقدره تعالى فى علاه
    رغم صغر المقال الا انه مليئ بالنفحات التى تغذى أرواحنا بحب الله والتذلل لعظمته
    شكرا معلمى لمجهودك وأعانك الله وسدد خطاك اللهم آمين

    ردحذف
  2. أستاذى الجليل / جزاك الله على ما قمت به من مجهود فى البحث و التنقيب لكتابة هذا المقال بجزاء لا يحده حد و لا يحصى له أمد بقدر جوده و كرمه و هو أكرم الأكرمين ..
    * حقيقة تأثرت بالمقال كاملا .. و لكن جذبنى قولك :(إذا كان سيدنا زكريا توسل إلى الله بربوبيته في طلب العطاء .. فإن الله قد أجابه باسم الألوهية الذي يمنح به لخاصة عباده المقربين ..).
    * اللهم اهدنا بنورك اليك ، أقمنا بصدق العبودية بين يديك وأخرج ظلمات التدبير من قلوبنا وانشر نور التفويض في أسرارنا وأشهدنا حسن اختيارك لنا حتى يكون ما تقتضيه فينا وتختار لنا أحب الينا من أنفسنا ..امين يارب العالمين
    تحياتى لك

    ردحذف
  3. ما شاء الله
    اللهم بارك لك فى صحتك وعافيتك وزادك الله فضلا وعلم ونور حفظك الله بحفظه استاذ /خالد

    فى الجزء 21
    ويقول سيدنا ذكريا عليه السلام
    فى النداء « وذكريا اذا نادى ربه »
    الانبياء89
    الا فهمته من قراءة الموضوع ان سيدنا ذكريا يعمل مع الله بادب وان اردته او رغبته بان يكون اب كان مستسلم ليها وراضى بما كتبه الله له وعندما شاهد السيدة مريم والرزق وعلامات كثيرة على قدرة الله فى تغير كل شئ واى شئ
    تحرك بداخله شعور الأبوي فنادى ربه استحياء منه بان يمن الله عليه ويقبل بأن يدعو الله أن يكرمه الله ليس رفض للواقع او ان من المستحيل ان ياتيه ولد فى هذا العمر
    كل ما جاء فى خاطره عظمة الله وقدرته بان يامر للشئ كن فيكون فنادى ربه خجل منه واقبال عليه بان يحقق له مراده

    وفى الدعاء « هنالك دعا ذكريا ربه » آل عمران38
    اى انه اعطا الله له أذن الدعاء ودليل بان الله تقبل نداءه
    لانه باخلاص دون رياء
    فدعا الله فتقبل دعائه بيقين ان الله القادر على كل شئ

    فهل هذا فهم صحيح اما أخطأت فى ذلك
    واسفة على كلامى العفوى فأنا بتكلم بطبيعتى وقدر فهمى
    فارجو ان تكون طريقتى مقبولة
    ووفقك الله لما يحب ويرضا
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ردحذف
    الردود
    1. اختنا الفاضلة : مروة .
      سيدنا زكريا عمل مع الله بالادب مع قضاءه وقدره
      ولكا جاءه الاذن بالدعاء في محراب مريم .. فقد دعا الله
      وهو لم يطلب الولد لغريزة الابوة .. وانما طلبها لميراث النبوة (كما ذكرنا سابقا في شرح (يرثني ويرث من آل يعقوب ) ..
      وهو لم يخجل من ربه .. وإنما سأل الله من فضله ..

      هذه مجرد توضيحات على بعض كلامك ..
      ماعدا ذلك فصحيح ..
      والله اعلم بحقائق كتابه .
      تحياتي لك

      حذف
  4. جزاك الله خيراً على المقال و نفع الناس بما فيه من علوم و لطائف و جعل ما بذلته فيه و في غيره خالصاً لوجهه الكريم .. فكرة طلب الآية من الله من الأفكار المحببة جداً إلى قلبي في سورة مريم لما لها من خصوصية و علاقة مع الله. نَفَّع الله بك خلقه.

    ردحذف
  5. سيدنا زكريا لقد نادته الملائكة في أورع لقاءاته مع ربه أو هو حينما دعا أخذ ما علمه الله للأنبياء إذا حزبهم أمر قاموا إلى الصلاة. أليس طلبه من الله؟ إذن فليقف بين يدي الله. وليجربها كل واحد منا عندما يصعب عليك أي شيء، وتتأزم الأمور، وتمتنع الأسباب، فليقم ويتوضأ وضوءا جديدا ويبدأه بالنية حتى ولو كان متوضئا. وليقف بين يدي الله، وليقل-إنه أمر يارب عزّ عليّ في أسبابك، وليصل بخشوع، وأنا أجزم بأن الإنسان ما إن يسلم من هذه الصلاة إلاّ ويكون الفرج قد جاء. ألم نتلق عن رسول الله هذا السلوك البديع؟ إنه كلما حزبه أمر قام إلى الصلاة؟
    ومعنى حزبه أمر، أي أن أسبابه ضاقت، لذلك يذهب إلى الصلاة لخالق الأسباب، إنها ذهاب إلى المسبب. وبدلا من أن تلف وتدور حول نفسك، اذهب إلى الله من أقصر الطرق وهو الصلاة، لماذا تتعب نفسك أيها العبد ولك رب حكيم؟ وقديما قلنا: إن من له أب لا يحمل هما، والذي له رب أليس أولى بالإطمئنان؟تفسير الشعراوى.. الله يجزاكم خير ويهديكم ويوفقكم لما يحبه الله ويرضاه

    ردحذف
    الردود
    1. نعم أخي حامد كلامك صحيح ..
      وانتظر الإشارات والحكم وكلام العارفين على قصة زكريا في الجزء الحادي عشر إن شاء الله تعالى ..
      ستجد ما يطيب له قلبك إن شاء الله تعالى ..
      تحياتي لك

      حذف
  6. عذرا لانى بسال خارج الموضوع ..انا لما قمت بذكر الله وجدت انى اردد يا الله مدد مدد فارجو المعرفه هل الذكر هكذا جائز لانى وجدت لسانى منطلق كده يا الله مدد مدد ....ارجو الرد ضرورى

    ردحذف
    الردود
    1. لا مانع من الدعاء ..
      فأنت تطلب من الله أن يمدك بمدده .. فهذا نوع من طلب الإغاثة بالله .. وهذا مطلب شرعي ..
      يقول تعالى {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ } الأنفال9
      ويقول تعالى {كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً } الإسراء20
      فإذا كان الله يمد الجميع بمدده .. فلا مانع أن تطلب منه المدد الذي تريد .. (طالما لن تستخدمه في معصية .. أي مطلب شرعي)
      والله اعلم
      تحياتي لك

      حذف
  7. السلام عليكم و رحمه الله و بركاته استاذ خالد
    انا الطالب حسن كلمت حضرتك سابقا و كنت
    في الصف الثاني الثانوي و الان دار الزمن
    و الان مقبل علي الصف الثالث الثانوي و اسألك بالله
    ان تدعوا الله لي بأن اني بمجموع كليه الطب البشري جامعه القاهره القصر العيني
    فأسألك بالله ان تدعوا لي الله بأن يفرغ علي صبرا و يثبت قدمي و ينصرني و يسخر لي كل الوسائل
    للاتيان بهذا المجموع99%

    ردحذف
    الردود
    1. ربنا يكرمك ويمدك بمدده .. ويعطيك فوق ما تريد .. آمين ..
      وأكثر من قوله تعالى ( رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري )..
      ربنا يرزقك التوفيق والسداد في الإجابات .. وكل مؤمن عمل مع باجتهاد .. آمين .
      تحياتي لك

      حذف
  8. جزاك الله خيرا استاذي وصديق دربي خالد. موضوع رائع واتمنى ان يطول شرحك ووجهة نظرك. فمراجع التي تنقلها وشرحك الخاص. أميل إلى شرحك الخاص. فكلامك مأيد بنور الله ماشاء الله. ونصيحتي للإخوه في المدونه. اكثرو التسامح واحسنو الظن بالله. لا نحفظ مواضيعك بعقولنا. ولكن نحفظ مواضيعك بقلوبنا لا بحرف بحرف. بل نحفظها بأن نعمل بها بحرف حرف. اختي هاله العضوه النشيطه. دوما معكم ولم اذهب. إنما لا يسمح لي الوقت بالتعليق.

    ردحذف
  9. لتكون من اولياء الله كن من احبائه. ولتكون من احباء الله كن انت من يبدأ الحب الذي بينك وبين الله. قط تعترف حبك لشخص اكثر من مره. ماذا يمنعك ان تعترف لله حبك له. إذا احببت شخصا تكرر كل يوم كم تحبه. او لم تظلم الله بعدم تكرار حبك له. كم مره تكتب احبك يا الله. وكم تحزن وتخاف ان تخسر حبك لله. إذا احببت شخصا بكل طرق ترضيه. فهل رضيت الله بكل طرق. كلما احببت الله بصدق تولاك بصدق وكنت من اوليائه. لا تعتذر بالذنوب إلا ان كنت متمسك بالذنوب وتفعل الذنوب مرارا وتكرارا. فعندها لك عذر بان لا تكون من اخبائه واوليائه. واما إن جعلت عذرا من الذنوبك السابقه. عذرا لك لم تعرف انه الله تواب.

    ردحذف
  10. بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.

    من عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري:
    إجمع لي فى إيجاز بين أمري الدنيا والآخرة في كتاب.
    فكتب الحسن البصري:
    (إنما الدنيا حلم ، والآخرة يقظة ، والموت متوسط ،ونحن في أضغاث أحلام ، من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر ، ومن نظر فى العواقب نجا ، ومن أطاع هواه ضل ، ومن حلم غنم ، ومن خاف سلم ، ومن إعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم ،ومن علم عمل).

    ردحذف
  11. اللهم صل على محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،جوزيت كل الخير استاذنا الفاضل على هذه الرقائق واللطائف وخاصة في التفرقة بين : نادى ربه ودعا ربه ، و النداء من الانبياء الى رب العالمين و تعقبه الاستجابة ، وماذا عن نداء الله عزوجل لعباده ؟! مثل قوله تعالى ( قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا) الله عزوجل ينادي عباده ولكن عن طريق رسوله : قل ، ارجو ان تتكرم وتشرح لنا لطيف مناداته لنا وكيفيتها ؟ نسأل الله ان يجعلنا ممن يستجيب لمناداته عزوجل.

    ردحذف
  12. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    موضوع يتسم بالرقي ومفعم بالفائدة العلمية، جازاك الله عليه خيرا أستاذ خالد ووفقك للمواصلة في إفادة المسلمين بهاته المدونة.
    أحييكم جميعا.

    ردحذف
  13. جزاكم الله خيرا

    ردحذف
  14. ٩🪷 مما أعجبني من الموضوع
    لماذا القرآن قال في زكرياء ( فنادته الملائكة) وفي مريم قال (قالت الملائكة)؟!!

    نداء الملائكة لزكرياء هو لنداء مسبق لزكرياء
    أما عن السيدة مريم فهي لم يكن لها نداء إلى الله أو دعاء بهذه البشرى التي أخبرتها بها الملائكة... فهي كانت عابدة لله... فجاءتها وقالت لها بشرى الله لك... فليس هناك سبب للنداء عليها بهذه البشرى لأنها لم تكن منتظرة شيء!!

    ردحذف

ادارة الموقع - ا/ خالد ابوعوف