ج2 رسالة التحقيق - أنواع السبيل الإيماني في القرآن - المقصود بنورانية النبي - من هم أهل التحقيق - ما هي سُبُل السلام وسُبُل الضلال - وما هو شرط المجاهدة التي أصل سلوك سُبُل الصراط - هل تبحث عن سلام داخلي مع نفسك ومَن حولك .

بسم الله الرحمن الرحيم

) الجزء الثاني (

من رسالة التحقيق

في الفرق بين "السبيل والصراط والطريق"

*************

أنواع السبيل الإيماني في القرآن ؟

المقصود بنورانية النبي ؟

من هم أهل التحقيق ؟

ما هي سُبُل السلام ؟ وسُبُل الضلال ؟

وما هو شرط المجاهدة التي أصل سلوك سُبُل الصراط ؟

هل تبحث عن سلام داخلي مع نفسك ومَن حولك ؟

* فهرس :

:: الفصل الخامس ::

1- أنواع السبيل الإيماني في القرآن ؟

2- ما هي سُبل الإرشاد للإيمان ؟

3- والمقصود بنورانية النبي ؟

4- سُبل الله لتحقيق الإيمان وسلوك الصراط المستقيم ؟

:: الفصل السادس ::

5- من هم أهل التحقيق ؟

6- كيف تتمكن من الثبات على الصراط باتباع سُبُل الله  ؟

7- وما هو شرط المجاهدة التي أصل سلوك سُبُل الصراط ؟

8- مكافآت العبادة مع الله كيف تكون آثارها في الدنيا ؟

:: الفصل السابع ::

9- ما هي سُبُل السلام ؟ وسُبُل الضلال ؟

10- هل تبحث عن سلام داخلي مع نفسك ومَن حولك ؟

11- كلام رائع للإمام أبو زهرة رحمه الله .. حول سبل السلام ؟

  *******************************

:: مقدمة ::

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

* نستكمل مع حضراتكم رسالة التحقيق في الفرق بين (السبيل والصراط والطريق) .. وأرجو من الله التوفيق لما يحب ويرضى .. آمين ..

* ونناقش فيها أنواع السبل الإيمانية في القرآن ..

* وأسأل الله لكل أهل المدونة الحاضرين والغائبين .. أن يرضى عنهم برضاه ويسعدهم بتقواه .. ويحجبهم عن معصيته .. بل ولكل مسلم ومسلمة .. آمين يارب العالمين .

نبدأ بسم الله ..

توكلت على الله ..

*****************************************

..:: الفصل الخامس ::..

**********************************

..:: أنواع السبيل الإيماني في القرآن ::..

(سبيل للإيمان – سبيل للتحقيق بالإيمان)

* ذكرت لكم سابقا أن السبيل تأتي بمعنى الدلالة إلى طريق الإيمان .. ولكن يوجد في القرآن كلمة سبيل تأتي مرة أخرى بعد التمكين من الإيمان والوقوف على الطريق المستقيم .. فتاتي كلمة سبيل مع الصراط المستقيم .. كيف ذلك ؟

* بأن الصراط وهو تحقيق الإيمان (العمل بمنهج الله) .. فيه سُبل كثيرة تساعدك على تحقيق هذا الإيمان .. وكأن الإنسان لا يستطيع أن يتحقق بكل سبل أو طرق الصراط .. فجعل الله له سُبل منهجية إلهية ليتحقق من الصراط قدر استطاعة كل إنسان .. ليصل للمطلوب ..

* ولذلك جاءت كلمة "سبيل" بعد التمكين من الإيمان .. للإرشاد إلى تنوع طرق الاعمال الصالحة (سبل الله) .. التي يستطيع أن يسلكها في صراطه إلى الله ..

* فيصبح لدينا في معنى كلمة السبيل .. إشارتين لمعنى واحد .. كيف ذلك ؟

فالمعنى هو : إرشاد إلى  .. ،

ولكن هذا الإرشاد له توجيهين في القرآن :

1- التوجيه الأول : الإرشاد إلى طريق الإيمان الصحيح وهو دين الإسلام

2- التوجيه الثاني : الإرشاد إلى التحقيق من الإيمان من خلال سُبل العمل مع الله التي تجعلك تتحقق من هذا الإيمان وتجعلك تسير على صراط مستقيم ..

* ولذلك : كلمة الطريق اختفت مع كلمة سبيل .. لأن الطريق ما هو إلا نقطة إنطلاق إلى الصراط .. أي نقطة إنطلاق للعمل بالإيمان  .. الذي آمنت به .. أي استعدادا لسلوك ( سُبُل الصراط المستقيم ) ..

* وإليك تفصيل ما سبق ..

*****************************************

..:: ما هي سُبل الإرشاد للإيمان ؟ ::..

:: والمقصود بنورانية النبي ؟ ::

ستجد سٌبل الإرشاد للإيمان في القرآن تنحصر في أمرين .. يجمعهما قوله تعالى (وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الشورى 52  .. فقد أثبت الهداية للقرآن وللنبي صلى الله عليه وسلم ..

وكذلك قوله تعالى : ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) المائدة15 .. وكأنه سبحانه يقول لنا ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فليكفر) الكهف29 .. !!

* فالنور هو نور هداية اتباع النبي حيث يقول تعالى ( وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) المؤمنون73

ولذلك يقول الحق : ( فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) القصص50

* والكتاب المبين هو القرآن حيث يقول تعالى ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ) الإسراء9  ..

والأقوم : هو سبيل الحق الواجب اتباعه في الحياة وهو دين الإسلام .. وجاء بكلمة الأقوم (اسم تفضيل من قام) لأن قد تجد كتب فيها فضائل وترشدك للخير .. ولكن القرآن هو السبيل الأقوم لأنه يؤدي لخيري الدنيا والآخرة .. عادلا بلا هوى نفسي يميل إلى جانب دون آخر .. بخلاف الكتب الأخرى التي يصيبها تحريف أو يدخلها هوى نفسي ..

* فلفظ (الأقوم) جاء للدلالة على أن القرآن فيه اجتماع أفضل طرق الخير والبركة والرحمة والهداية والفضائل المؤدية لصراط مستقيم يؤدي لرضوان الله ورحمته وغفرانه ونعمته "الجنة" .. والله أعلم .

* وكما قال الجن عن القرآن أنه سبيل يهدي إلى الرشد .. حيث أنهم استمعوا له بداية .. ثم لما استمعوا له آمنوا به .. ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ) الجن1-2

* وقال الجن ( وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً ) الجن1

* فكان القرآن سبب لإرشاد جماعة من الجن إلى طريق الإيمان .. فاتبعوا سبيل القرآن وآمنوا به .. بل ذهبوا لتبليغ الدعوة لقومهم ..!!

* ملحوظة خاصة بقوله تعالى : ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) المائدة15

فهناك رأي تفسيري يقول : أن النور والكتاب المبين المقصود به توصيف للقرآن لقوله تعالى ( وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الشورى52  ..

* ولكن الذي عليه كثير من المفسرين أن النور هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والكتاب هو القرآن .. لأن حرف الواو يقتضي المغايرة .. وأميل لهذا الرأي .. حيث يقول الحق سبحانه (وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ) .

* وعموما المقصود بنورانية النبي .. أنه نور هداية لمن اتبعه وسار على منهجه حيث يقول الحق سبحانه (وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ) الأحزاب 46 ..، ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الشورى52 ..

* وانتبه لشيء مهم : وهو أن نور النبي هو أخلاقه الشريفه وسيرته العطرة .. وكان خُلُقه القرآن .. أو كما يوصف بأنه قرآن يمشي على الأرض .. ولذلك فهو نور يستمد من نور .. وحسبك نزول القرآن على قلبه .. فافهم ..!!

* وكذلك طاعة الرسول هي طاعة الله ( مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ) النساء80 ..

* وكذلك من يحب الرسول ويتبع الرسول فيحبه الله ويغفر له الله ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران31 ..

* انتبه لما ذكرته لك جيدا .. حتى تعلم مكانة النبي عند الله وقدره وشأنه عند مولاه ..

* يبقى عرفنا أن سبيل الإرشاد للإيمان يتوقف على اتجاهين .. اتباع نور القرآن واتباع نور النبي صلى الله عليه وسلم ..

* فما هو الإتجاه الآخر لكلمة "سبيل" والتي تشير إلى التحقيق بهذا الإيمان ؟

*****************************************

..:: سُبل الله لتحقيق الإيمان وسلوك الصراط المستقيم ::..

( وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ) ابراهيم12

* قلت صاحب الموضوع :

* حينما يؤمن الإنسان بدين الإسلام .. ويشهد بشهادة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .. فهذا في حد ذاته وصولك لطريق مستقيم في العقيدة الصحيحة .. حيث تكون قد تجنبت كل طرق الباطل .. مما يؤهلك لسلوك الصراط الإلهي المستقيم بإرشاد نبوي يدلك على سُبل هذا السلوك الذي إن اتبعتها كنت على صراط مستقيم .. وهي هداية التحقيق .. وهي فعل الأوامر واجتناب النواهي والإرتقاء بالنوافل والمندوبات .. وغير ذلك من سُبُل الله التي شرعها لنا ..

وهذه السبل لا تنتفع بها بل ولن تسلكها إلا بعد دخولك إلى طريق الإيمان بشهادة التوحيد ..

* ويظهر ذلك في قوله تعالى :

1- (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) البقرة 190

2- (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) البقرة 195

3- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) البقرة218

4- (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) آل عمران195

5- ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) الأنفال74 ..

* فما سبق كان نوعيات لسبيل الذين آمنوا فعليا بالله وأرادوا أن يثبتوا على الصراط المستقيم ..

* وهناك سُبُل أخرى أشار إليها الرسول وهي كما جاءت في الحديث :

( أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ..

وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ..

أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ..

أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا ..  

أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ..  

وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ ..  

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا ..

وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ..

وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ  .. مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا ..

وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا .. أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ ) .

* يبقى سُبُل الله المحققة لتثبيتك على الصراط .. متعددة لتتوافق مع إمكانيات العباد .. فهناك من يستطيع المساعدة وهناك من يستطيع الذكر وهناك من يستطيع كتم غيظه وغير ذلك .. فسُبل طاعة الله واتباع صراطه المستقيم متنوعة ومتعددة حتى تجد كل نفس ما يتفق معها .. فكل إنسان ميسر لما خلق له ..

ولكن كيف ستستطيع أن تتمكن من معرفة هذه السُبل الإيمانية إلا بإرشاد إلهي ونبوي ؟!!

* فكانت هذه الإرشادات الإلهية والنبوية لتحقيق السُبُل الإيمانية حتى تثبت على الصراط لمن أراد ذلك ..

* ومع ذلك فهي إرشادات لتحقيق الإيمان والثبات على الصراط .. وليس تمكين من فعل هذه الأمور .. ولذلك يأتي اللفظ "سبيل" .. أي نحن نرشدكم لسبل الإيمان التي تثبتكم وتعينكم على اتباع الصراط المستقيم دون انحراف أو زيغ .. ومن شاء فليتبع النبي ومن شاء فليتبع هواه .. والعاقبة للمتقين ..

* يبقى بكده نبقى فهمنا ان لفظ سُبل له اتجاهين في القرآن :

1- للإرشاد إلى الإيمان بالله ..

2- للإرشاد إلى الأعمال الصالحة التي تحققك من الصراط المستقيم .. وهي الأوامر والنواهي والنوافل والمندوبات .. وكل ما أشار به الدين إليك لتنتفع به أو لتجتنبه ..!!

فكما أشرنا لسُبُل الأعمال الظاهرية في الحديث السابق .. فعليك ان تتحقق بسُبُل الإيمان القلبية كما قال تعالى ( وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) إبراهيم12

* فاتباع سبل التوفيق للعمل بالأحكام الإلهية يستوجب أن تتوكل على الله بتفويض الأمر إليه .. والتي منها الصبر على الأذى .. فطالما أنت آمنت فتحقق ظاهرا وباطنا بسبُل الله .. حتى تستقيم على الصراط .

*****************************************

..:: الفصل السادس ::..

**********************************

( أهل التحقيق )

..:: كيف تتمكن من الثبات على الصراط باتباع سُبُل الله  ؟ ::..

(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت 69

* أهل التحقيق : هم من أهل " علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين" .. الذين تبينت لهم الحقائق العرفانية بعد مجاهدات طويلة طلبا لمرضاة الله .. ويسمون بالعارفين ..

* قال الشيخ الطاهر بن عاشور :

وَمَعْنَى (جاهَدُوا فِينا) جَاهَدُوا فِي مَرْضَاتِنَا، وَالدِّينِ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ لَهُمْ.

وَالظَّرْفِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ، يُقَالُ: هِيَ ظَرْفِيَّةُ تَعْلِيلٍ تُفِيدُ مُبَالَغَةً فِي التَّعْلِيلِ.

وَالْهِدَايَةُ: الْإِرْشَادُ وَالتَّوْفِيقُ بِالتَّيْسِيرِ الْقَلْبِيِّ وَالْإِرْشَادِ الشَّرْعِيِّ، أَيْ لَنَزِيدَنَّهُمْ هُدًى.

وَسُبُلُ اللَّهِ: الْأَعْمَالُ الْمُوصِلَةُ إِلَى رِضَاهُ وَثَوَابِهِ، شُبِّهَتْ بِالطُّرُقِ الْمُوصِلَةِ إِلَى مَنْزِلِ الْكَرِيمِ الْمُكْرِمِ للضيف.

وَالْمرَاد ب (الْمُحْسِنِينَ) جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُحْسِنِينَ، أَيْ كَانَ عَمَلُ الْحَسَنَاتِ شِعَارَهُمْ وَهُوَ عَامٌّ. وَفِيهِ تَنْوِيهٌ بِالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ فِي عِدَادِ مَنْ مَضَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

وَالْمَعِيَّةُ: هُنَا مَجَازٌ فِي الْعِنَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِمْ.

التحرير والتنوير ج21 ص37 .. مختصرا ..

* قال الشيخ بن عجيبة رحمه الله :

يقول الحق جلّ جلاله: (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) ، أطلق المجاهدة ولم يُقيدها بمفعول ليتناول من تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين، أي: جاهدوا نفوسَهم في طلبنا، أو في حقنا، ومن أجلنا، ولوجهنا، خالصاً ..

* (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي: طُرُق السير إلينا، والوصول إلى حضرتنا، أو لنسهلنهم فعل الخير حتى يصلوا إلى جنابنا.

وعن الداراني: والذين جاهدوا بأن عملوا بما علموا، لنهدينهم إلى علم ما لم يعلموا.

وقال الفضيل: والذين جاهدوا في طلب العلم، أي: لله، لنهدينهم سبل العمل.

وقال سهل: والذين جاهدوا فى إقامة السنّة، لنهدينهم سبل الجنة.

وقال ابن عطاء: جاهدوا في إرضائنا لنهدينهم سبل الوصول إلى محل الرضوان.

وقال ابن عباس: جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سُبل ثوابنا.

وقال الجنيد: جاهدوا في التوبة، لنهدينهم سُبل الإخلاص، أو: جاهدوا في خدمتنا لنمنحنهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا،

* (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) بالنصر والمعونة في الدنيا، وبالثواب والمغفرة في العُقبى. والله تعالى أعلم.

* الإشارة:

المجاهدة .. على قدرها تكون المشاهدة ، فمن لا مجاهدة له لا مشاهدة له . وبالمجاهدة تميزت الخصوص من العموم ، وبها تحقق سير السائرين ، فالعموم وقفوا مع موافقة حظوظهم من الجاه والغنى وغيره ، والخصوص خالفوا نفوسهم ، ورفضوا حظوظهم ، وخرقوا عوائدهم، فَخُرِقَتْ لهم العوائد، وانكشفت عنهم الحجب ، وشاهدوا المحبوب .

* فجاهدوا أولاً في ترك الدنيا، وتحملوا مرارة الفقر، حتى تحققوا بمقام التوكل، ثم جاهدوا في ترك الجاه والرئاسة، فتحققوا بالخمول، وهو أساس الإخلاص ، ثم جاهدوا في مخالفة النفس ، فَحَمَّلوها كل ما يثقل عليها ، وأخرجوها من كل ما تهواه ويخف عليها ، وارتكبوا في ذلك أهوالاً وأحوالاً صِعَاباً ، حتى ماتت نفوسهم مَوْتَاتٍ، فتحقق بذلك حياة أرواحهم، وأشرفت على البحر الزاخر، بحر التوحيد الخاص ، فغابت ظلال الأكوان حين أشرقت شمس العيان ، ففني من لم يكن ، وبقي من لم يزل ، فدخلوا جنة المعارف ، ولم يشتاقوا قط إلى جنة الزخارف لأنها منطوية فيها .

* ولا بد من صُحبة شيخ كامل ، قد سلك هذه المسالك، يلقيه زمام نفسه ، حتى يوصله إلى ربه ، وإلا أتعب نفسه بلا فائدة.

*  وقوله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) تهوينٌ وتسهيلٌ على السائرين أَمْرَ نفوسِهِمْ ومجاهدَتَها، إذا علموا أن الله معهم، هان عليهم كل صعب، وقَرُبَ كل بعيد. وبالله التوفيق. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

البحر المديد  ج4 ص321-322

*********************************

..:: وما هو شرط المجاهدة التي أصل سلوك سُبُل الصراط ؟ ::..

هو شرط بسيط جدا .. وهو ابتغاء مرضاة الله ..

يقول تعالى ( إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي ) الممتحنة 1

يعني أنت لم تجاهد لتحقيق كرامة ..!!

ولا ليقال عنك أنك إنسان متدين ..!!

ولا بحثا عن طاقات روحانية ..!!

* وإنما ابتغاء مرضاة الله .. تطلب وجه الله .. رغبة في رضا الله .. سعيا للغفران والرحمة الإلهية .. !!

وسيأتي في كلامنا عن الطريق إلى الله (رسالة أخرى) .. مفهوم الإخلاص مع الله .. إن شاء الله تعالى ..

*********************************

..:: مكافآت العبادة مع الله كيف تكون آثارها في الدنيا ؟ ::..

* قلت صاحب الموضوع :

قد تكون بأن يفتح الله عليه بسبل السلام أو بزيادة الهداية (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) مريم 76 .. أو يمنحك نورا في قلبك تمشي به في الناس لمساعدتهم .. كما يقول تعالى ( أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) الأنعام122

* والتعبير القرآني بديع جدا .. حيث جعل من الإيمان حياة للقلوب وبدون هذا الإيمان فيظل الإنسان يتخبط في ظلمات الجهل والوهم .. ويعيش في ضلالاته النفسية وبين أصنامه الفكرية .. لا يستطيع الخروج من دائرة الوهم إلى نور الحياة إلا بنور الإيمان حتى يبصر الحقائق على ما هي عليه .. !!

ويشير سبحانه لذلك في آية أخرى بقوله تعالى ( أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الملك22 .

* يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله :

( يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ ) ، مادام قد اتبع رضوانه فيهديه إلى سبل السلام ، إذن فإن هناك هدايتين اثنتين : يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، وقال في آية أخرى: ( والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ ) [محمد: 17]

* فإياك أن تظن أن التقوى لن تنال ثوابها وجزاءها إلا في الآخرة ؛ لأنه كلما فعلت أمراً وتلتفت وجدت آثاره في نفسك ، تصلي تجد أمورك خَفَّت عن نفسك ، فلا ترتكب السيئة في غفلة من الناس ، قلبك لا يكون مشغولاً بأي شيء ، ويحيا المؤمن في سلام مع نفسه أبداً.

تفسير الشعراوي ج5 ص3032-3033

* وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله في مكان آخر من تفسيره :

أما عطاء الألوهية فجزاؤه في الاخرة .. فالدنيا دار اختبار للايمان ، والآخرة دار الجزاء .

تفسير الشعراوي ج1 ص64

* قلت صاحب الموضوع :

فلا تلتفت لعطاء دنيوي بعبادة إلهية .. وإلا فأنت ستسقط لا محالة .. لأنك في الحقيقة لا تعبد الله وإنما تعبد نفسك ..!!

ولذلك الذين لا يجدون عطاء من الله بالرغم من عبادتهم المستمرة .. تجدونهم أكثر الناس شكا وغضبا وسخطا .. ويتعجبون من الذين يعيشون في النعيم وهم أهل معصية ..!!

وذلك لأنهم لم يعبدوا الله بحق .. بل عبدوه على حرف (عطاء الخير فقط) .. فلو عبدوه وعلموا ان عطاء المنهج الإلهي في الآخرة .. لاطمئنوا به .. ولكنهم يعبدون عبادة الإنسان الساخط على فعل ربه إذا لم يعطيه .. وهذه أخس العبادات ..!!

*****************************************

..:: الفصل السابع ::..

**********************************

..:: ما هي سُبُل السلام ؟ وسُبُل الضلال ؟ ::..

" هل تبحث عن سلام داخلي مع نفسك ومَن حولك ؟ "

( اتبع رضوان الله )

 يقول تعالى : ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) المائدة15-16

انتبه هنا لكلمة (يهدي) أي يهديهم هداية تمكين لأنهم اتبعوا رضوانه فمكنهم من هداية الإيمان .. ومنحهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات .. وحققهم بأعمال الصراط المستقيم ..!!

* لكن ما هي سُبُل السلام المقصودة في الآية ؟

* قال الشيخ الشعراوي رحمه الله شارحا سبل السلام :

إنَّ من اتبع رضوانه يهديه الله لسبل السلام ، إذن ففيه رضوان متبع ، وفيه سبل سلام كمكافأة .

وهل السلام طرق وسبل ؟

نعم ؛ لأن هناك سلام نفس مع نفسها، وهناك سلام نفس مع أسرتها ، هناك سلام نفس مع جماعتها ، هناك سلام نفس مع أمتها ، وهناك سلام نفس مع العالم ، وسلام نفس مع الكون كله ، وهناك سلام نفس مع الله ، كل هذا يجمع السلام .

* إذن فسُبل السلام متعددة ، والسلام مع الله بأن تنزه ربك أيها العبد فلا تعبد معه إلهاً آخر، ولا تلصق به أحدا آخر. . أي لا تشرك به شيئا، أو لا تقل: لايوجد إله.

تفسير الشعراوي ج5 ص3030

* قلت صاحب الموضوع :

* ما هي سبل الضلال ؟

1- ( وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) البقرة108

2- ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ) النساء115

معنى يشاقق : أي يخالف .

3- ( وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ) الأنعام55

4- ( الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ ) الأعراف45

5- ( وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) الأعراف142

6- ( وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ) الأعراف146

معنى الغي : أي الضلال والإنحراف عن الهدى .

7- ( قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) يونس89

8- ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) الإسراء32

9- ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) العنكبوت12

10- ( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ص26

11- (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ) لقمان6

* وعموما كل ما فيه معصية لله وخرج عن الصراط المستقيم .. فهو فيه من الضلال والإنحراف بقدر ما عصى .. ويقول الحق: ( وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) الأنعام 153 .

*********************************

 ( مفهوم آخر ل "سبل السلام" )

..:: الانتفاع بالقرآن والسلام الداخلي مع نفسك ومع من حولك ::..

لا يأتي إلا بطلب رضوان الله فقط

( كلام رائع للإمام أبو زهرة رحمه الله )

قال تعالى : ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) المائدة15-16

* قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله :

وقد بين سبحانه وتعالى الغاية الكبرى من رسالته إلى أهل الأرض، ومن النور الذي جاء به الرسول والكتاب الذي أنزله، فقال:

(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ... )

* هذه هي الثمرات التي ترجى من الرسالة الإلهية إلى أهل الأرض، وكونها نورا يهتدي به الساري، وفيه شريعة قائمة في كتاب محفوظ إلى يوم القيامة ..

وهذه الثمرات ثلاث أولها : هداية إلى الحق ، وإخراج من الظلمات إلى النور ، ويهدي به الله سبحانه إلى صراط مستقيم لا عوج ولا أمت .

* أما الأولى - فقد عبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله تعالت كلماته: (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) والضمير في قوله تعالى: (بِهِ) يعود إلى مجموع ما ذكر، أو يعود إلى القرآن وحده، والظاهر ذلك؛ لأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وفي عود الضمير إلى القرآن تضمين لكل ما ذكر؛ لأن القرآن هو وعاء الشريعة، وحجة النبي - صلى الله عليه وسلم - القائمة إلى يوم القيامة، وهو مصباح النور المحمدي الذي لَا ظلام فيه، وقد ذكر سبحانه من يهتدي بالقرآن، وموضع الهداية ..

* فليس كل إنسان أهلا لهداية القرآن والانتفاع به .. فإن من يهتدي لَا بد أن يكون فيه عقل يدرك لم تظله غشاوة رانت عليه، وبصيرة نافذة، وقلب قد استقام لطلب الحكمة ..

* وقد ذكر سبحانه أن الذي يهتدي بالحق والنور الكاشف من اتبع رضوانه ..

واتباع رضوان الله تعالى: طلبه ذلك الرضوان ..

ومعنى طلب ذلك الرضوان: أن يكون قلبه مخلصا لطلب الحق ، لم يرنق قلبه بغرض باطل أو أهواء مردية ، أو انحراف في طلب عن الغاية ..

* بل يتجه اتجاها مستقيما إلى الحق لَا يبغى سواه ، ولا يطلب إلا رضوان الله تبارك وتعالى، فإن الإخلاص يجعل العقل يشرق، والقلب يمتلئ بالحكمة.

* وأما ما يهتدي إليه فهو "سبل السلامة" ، والصفاء وعدم وجود البغضاء ..

فالسلام هو: السلامة من كل أدران الحقد والحسد، والسلامة من كل ما يؤدي إلى البغضاء والعداوة ..

وسبلها هو: الأعمال الصالحة ، فيعمل للدنيا بأخلاق مستقيمة ، ونفس لَا يخالطها فساد ، ولا تستولي عليه الشهوات ، فيكون مع الناس في أمن وسلام ، وفي الآخرة يكون في دار السلام ، كما قال تعالى في شأن المتقين المهتدين: (لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عندَ رَبِّهِم. . .) "الانعام127" ، وكما قال تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ) "الأحزاب44" .

* وأما الثانية - فقد عبر عنها تعالى بقوله: (وَيُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) ومرجع الضمير هنا هو مرجع الضمير في الجملة السامية السابقة، فالقرآن والنور والهداية المحمدية كل هذا يخرج الناس من ظلمات الباطل إلى النور الواضح بإذن الله تعالى وبعلمه وتقديره ..

* فالإذن هنا معناه العلم والإرادة، أي أن ذلك الإخراج من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى بعلمه تعالى وإرادته، وإرادته لا تكون إلا على مقتضى حكمته في خلقه، وهو العزيز الحكيم، اللطيف الخبير، السميع البصير، تعالت أسماؤه الحسنى.

* وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الضلال بالجمع والنور بالإفراد ؛ وذلك لأن طرق الشيطان مختلفة ، وكل طريق منها ظلمة في ذاته ، فالشرك ظلمة ، والبغضاء ظلمة ، والمعصية ظلمة ، وأكل مال الناس بالباطل ظلمة ، ووأد البنات ظلمة ، واسوداد الوجه بالكآبة عند ولادة المرأة ظلمة ، والظلم ظلمات قد تعددت فنونه ، وتباينت أقسامه والنور والقرآن والهدى المحمدي هو الذي يكشف هذه الظلمات ، وينير الطريق للخروج ، بإذن الله تعالى وعلمه وإرادته يخرجهم النور من هذه الظلمات المتكاثفة .

* وأما الثالث - فقد قال تعالى: (وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرِاطٍ مسْتَقِيم) والمعنى أن الله تعالى يهدي طالب إلى طريق مستقيم لَا التواء فيه، والهداية في الحقيقة من الله تعالى، فهو الذي يهدي ويرشد ..

* والمهتدي هو من يطلب الحق إرضاءً لله تعالى ، ونسبت الهداية إلى القرآن؛ لأنه الذي اشتمل على ما فيه الهداية من أحكام، وفضائل، وبيان لمعنى الرسالة الإلهية؛ ولأنه هو المعجزة الكبرى للنبي - صلى الله عليه وسلم -..

* والطريق المستقيم هو دين الله تعالى القيم، دين التوحيد، دين الإسلام والتسليم والتفويض لله تعالى بعد القيام بالعمل، وهو دين الخير في الدنيا والآخرة، فمن اتبعه فقد رشد، ومن تركه فقد ضل ..

* وهو وإن تعددت أنواع العمل .. طريق واحد موصل للغاية من أقرب اتجاه، وهو طريق الله تعالى، وقد قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) "الأنعام 153"

اللهم اهدنا صراطك المستقيم.

زهرة التفاسير ج4 ص2090-2094

 *****************************************

..:: الفصل الثامن ::..

**********************************

يتبع المقال القادم إن شاء الله تعالى 

********************************

والله أعلم

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم

هذا الموضوع مصدره - مدونة الروحانيات فى الاسلام -  ولا يحق لأحد نقل أي موضوع من مواضيع أو كتب أو رسائل المدونة .. إلا بإذن كتابي من صاحب المدونة - ا/ خالد أبوعوف .. ومن ينقل موضوع من المدونة أو جزء منه (من باب مشاركة الخير مع الآخرين) فعليه بالاشارة الى مصدر الموضوع وكاتبه الحقيقي .. ولا يحق لأحد بالنسخ أو الطباعة إلا بإذن كتابي من الأستاذ / خالد أبوعوف .. صاحب الموضوعات ..